معتز حجازي: ستفرحون بي كما لم تفرحوا من قبل
بقلم / ديالا الريماوي
أمام خيارين عندما أخبرها الطبيب بأن الجنين يشكل خطرا على حياتها: فإما أن تؤدي الولادة لوفاتها، أو أن تجهض الجنين، وهو ما نصحها به، لكن شادية صابر لم تشأ أن تخسر طفلها فاستشارت طبيبا آخر، قال لها: “توكلي على الله، ولادته لا تشكل خطرا على حياتك”، لتنجب طفلها الثاني معتز حجازي عام 1982 في مدينة القدس، وتعود بعدها إلى الإمارات حيث يقطن زوجها ويعمل.
مميزا كان معتز في طفولته، ذكيا، يتفوق في أي شيء يتعلمه، فكاهيا، كثيرا ما كان يقوم بحركات بهلوانية، كبر وعندما شبّ أصبح رياضيا، سبّاحا ماهرا، لاعب شطرنج وكاراتيه، عصاميا، حنونا، اجتماعيا، هادئا، كما يصفه مقربون منه.
اضطر إبراهيم حجازي للعودة إلى القدس عام 1996 برفقه زوجته وأطفاله الأربعة: خليل، معتز، عدي، وشيماء، عقب شروع وزير داخلية الاحتلال آنذاك بتطبيق إجراء “مركز الحياة”، والذي يمكّنه من سحب إقامة أهل القدس المقيمين خارج المدينة.
التحق معتز بمدرسة شعفاط الثانوية وبعدها بمدرسة القدس الصناعية (دار اليتيم) من أجل دراسة الكهرباء، ولأنه لا يستطيع الحصول على الهوية المقدسية إلا بعد مرور خمس سنوات على بقائه في المدينة، فقد كان يتعرض للتنكيل عند الوصول لحاجز “ضاحية البريد” شمال المدينة، ويتم احتجازه لساعات طويلة قبل أن يصل إلى منزله.
وخلال الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) كان معتز وشقيقه خليل يعملان مع والدهما في توزيع الصحف، وخلال ذلك وقعت عدة أعمال إحراق مجمعات كهرباء في أبنية إسرائيلية. يقول إبراهيم: “كنت ألاحظ أن احتراق مجمعات الكهرباء يحدث بعد مغادرتنا لها، دون أن أعرف السبب”.
وفي أحد أيام العمل، أوقفت قوة من شرطة الاحتلال الأب وابنيه، وعندما علم الجنود بأن معتز مختص في مجال الكهرباء حاصروه وأبعدوه عن والده، في تلك اللحظات رآه والده يضحك، قبل أن يتم نقل الجميع لمركز التحقيق “تل بيوت”.
ويبين حجازي، أن معتز اعترف خلال التحقيق بإحراق سبع بنايات، مضيفا، أنه علم من ابنه لاحقا بأن اعترافه تم بعد أن سمع صوت صراخ والده إثر مشادة مع أحد الضباط، إذ ظن الابن أن والده يتعرض للتعذيب، فاعترف لتجنيبه هذا العناء.
ويضيف، “كان ذكيا جدا في تخطيطه للعمليات، إذ كان يتبع تقنية معينة تؤدي إلى اشتعال الأسلاك الكهربائية بعد عدة دقائق من خروجنا”.
حكمت محكمة الاحتلال على معتز بالسجن الفعلي 6 سنوات، لكن حادثتين داخل السجن أدتا لزيادة حكمه خمس سنوات ونصف، بعد أن هاجم ثلاثة سجانين كانوا يضايقونه، قبل أن ينال حريته بعد أن أمضى 10 سنوات من محكوميته في زنازين العزل الانفرادي.
وعقب الافراج عن معتز لاحظ والده أن نجله ينسى أين يضع أغراضه، فمنزله كبير جدا مقارنة بتلك الزنازنة التي كان يقبع فيها، ولكن والده ساعده على تجاوز المشكلة بشراء خزانة صغيرة ليضع فيها كل شيء يخصه.
تأقلم سريعا معتز والتحق بعدد من الدورات وحصل على شهادتها، وعمل في مجال بيع الخضار، إضافة إلى عمله الحر في مجال الكهرباء، وعمله بشكل متقطع في مطعم داخل القدس.
وإلى جانب ذلك فإن معتز كان يزداد تعلقا بالمسجد الأقصى يوما إثر آخر، يمضى ساعات داخل باحاته، وينتظر إجازته يوم الجمعة للصلاة فيه، لكنه كثيرا ما عاد حزينا إلى منزله بعد أن منع من دخوله، بسبب تحديد أعمار المسموح لهم بالصلاة في الأقصى في جمع كثيرة بمن هم فوق الـ50 عاما، فينعزل في حجرته رافضا تناول الطعام ومكتفيا بالنوم.
وسعت عائلة معتز بما في ذلك أعمامه وعماته إلى تزويجه، لكنه أجاب مرة عن سؤال: “متى سنفرح بك؟” بالقول: “لم أجد من تقبلني، بنات الأرض غير موافقات! قد أحظى بحورية من حوريات الجنة”.. بينما أجاب على تعهد عمه بدفع تكاليف زفافه كاملة بالقول ضاحكا: “يا عمي ستفرح بي كما لم تفرح من قبل”.
صباح التاسع والعشرين من تشرين الأول لعام 2014، خرجت عائلة معتز إلى منزلها في العيزرية للاستجمام، في حين بقي معتز في المنزل وأخبرهم أنه سيلحق بهم مساءً عقب انتهاء عمله في المطعم.
مساءً، كان الحاخام يهودا غليك الذي يوصف بأنه “مهندس اقتحامات الأقصى” يشارك في مؤتمر “الحفاظ على الهيكل” بمركز “بيغن” القريب من مطعم “ترسا” حيث يعمل معتز، وعقب انتهاء المؤتمر وبينما كان غليك واقفا في الشارع تقدم منه شاب يستقل دراجة نارية ويرتدي خوذة وسأله: “المعذرة هل أنت غليك”، فأجابه نعم، ليرد الشاب: “أنت عدو الأقصى ولقد أغضبتني كثيرا”، ثم يطلق أربع رصاصات صوبه وينسحب من المكان.
وأصيب غليك بجروح خطيرة استدعت بقاءه في المستشفى طويلا لتلقي العلاج، وبعد أن تماثل للشفاء وصف منفذ العملية قائلا: “تقدم مني شاب بدا وكأنه قادما من نزهة سعيدا، رفع خوذته وكان وجهه بارزا مضيئا”، وعندما عرُضت عليه صورة معتز أكد أنه هو.
ويقول إبراهيم والد معتز، إنه بعد انتهاء دوامه توجه معتز إلى المنزل بحي الثوري وبقي لوحده، خرج في تلك الليلة لكن لا يدري أحد إلى أين، وفجر اليوم التالي اتصل بأبيه قائلا: “مرحبا يابا كيفك؟ أي ساعة طالع على شغلك؟”، فأجاب والده الساعة السادسة، فقال: “إذا بتقدر تمر علي في البيت؟ ليرد والده: “لا أعتقد يا أبي لكن شقيقك عدي يجهز نفسه الآن سوف يمر عليك”.
حسب توقعات العائلة فإن “الشاباك” عقب ورود معلومات لديهم بأن معتز هو منفذ العملية تعقبوا هاتفه، وعندما كلم والده علموا أنه في المنزل، فتوجهت قوات كبيرة إلى الحي وحاصرت المنزل، ثم انتشر القناصة على أسطح المنازل المجاورة.
عندما وصل عدي إلى لمنزل، سأله معتز: “هل رأيت شيئا بالخارج؟ أشعر أن المنزل يُحاصر!”، فقال له عدي: “لم أر شيئا”، وخرج حتى يتأكد، وما إن تجاوز عتبة المنزل حتى حاصره الجنود وطرحوه أرضا فأطلق صرخة كانت بمثابة إنذار لمعتز الذي كان على عتبة المنزل فركض سريعا إلى سطحه.
وبينما كان معتز يقفز عن درجات المنزل، أطلق جنود الاحتلال رصاصة أصابت قدمه، واصل خطواته حتى وصل سطح المنزل، عندها أمطره القناصة بالرصاص، فاخترقت جسده 22 رصاصة بقي على إثرها ينزف حتى ارتقى شهيدا.
ويدعي الاحتلال أن معتز اشتبك مع جنوده، وعثر بحوزته على سلاح وعبوتين من الرصاص فارغتين، وهي ذاتها التي أصابت غليك.