لماذا تميّزت الخليل في هذه الانتفاضة؟
لعلّ خصوصية الحالة النضالية لمدينة الخليل في هذه الانتفاضة استوقفت كثيراً من المتابعين للبحث في أسباب تصاعدها في الخليل حتى اليوم، بينما تتجه لنمط معتدل في بقية مناطق الضفة، أو تغيب في أخرى.
الخليل اليوم باتت رافعة هذه الانتفاضة ومنبع وقودها، لكنّ هذا لم يأتِ من فراغ ولم ينشأ نتيجة الصدفة، فالمدينة هي الوحيدة في الضفة التي ينزرع الاستيطان داخلها وفي قلبها، بل في مناطقها الأكثر حيوية، وهو ما يستدعي وجود عدد كبير من جنود الاحتلال لحماية المستوطنين الذين لم يكتفوا بما يسمّى بالحي اليهودي في مركز المدينة، بل اتّسع عدوانهم ليشمل السيطرة على منطقة المسجد الإبراهيمي بالكامل، والتي تتحوّل إلى مزار لآلاف اليهود المتطرفين في مواسم الأعياد اليهودية، ويمنع على سكانها العرب الوصول إليها بسياراتهم. أضف إلى ذلك أن اتفاقية الخليل المنبثقة عن أوسلو قد قسّمت المدينة جغرافيًا، حيث أصبحت المنطقة الجنوبية بموجبها تخضع بالكامل لسيطرة الاحتلال، وهو ما أفرز حالة مضايقة وتقييد مستمرة لنشاط الفلسطينيين فيها.
كل هذا تسبب في نشوء حالة احتقان دائمة في مدينة الخليل، سواء بسبب واقع الاستيطان في قلبها أم بسبب اعتداءات الاحتلال وتضييقه على قاطني المناطق القريبة من المجمعات الاستيطانية الكبرى المحاذية لها ككريات أربعة وخارصينا، بمعنى أن الخليل في انتفاضتها إنما تواجه الاستيطان وما أفرزه من واقع يستحيل التعايش معه أو السكوت عنه مدّة طويلة، فعوامل الغضب والثورة ستبقى وفيرة في هذه المدينة، ومن الطبيعي أن تتجلى ميدانياً في ظل أية هبة أو انتفاضة عامة.
من جهة أخرى يبدو النشاط الحالي للخليل في هذه الانتفاضة استكمالاً لحراك شبه مستمر بدأ تقريباً منذ حوالي عام ونصف في أيار من عام 2014، بإضراب الأسرى الإداريين ثم حرب غزة وبعدها أحداث الأقصى في شهر أكتوبر من العام الماضي، ثم عاد يتجدد مع إحراق عائلة دوابشة، عبر سلسلة تظاهرات قرب مناطق التماس، نظّمتها حركة حماس في المدينة وما زالت مستمرة حتى اللحظة، أي أن الحراك الشعبي لم يبدأ كفعل جديد مع بداية الانتفاضة بل بدا أمراً اعتيادياً ألفته الخليل، خصوصاً مع نقاط تماسها الكثيرة، على خلاف المدن والمناطق الأخرى في الضفة.
وفي هذه الانتفاضة دخل العامل العشائري على خط الحراك الشعبي في الخليل، وهو ما أكسبه زخماً كبيراً شاهدناه بصورة واضحة في مظاهرة دعت لها عشائر المدينة لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة لدى الاحتلال، حيث تجلّت قدرتها الكبيرة على حشد أبنائها وإدماجهم في حالة الحراك الجماهيري، مما جعل الشارع كلّه مشاركاً بشكل أو بآخر في هذه الانتفاضة ومتحملاً لمسؤولياته.
هذه التجربة التي تتسع لتشمل قطاعات عريضة من الجمهور تستحق أن تتكرر في مناطق أخرى، بدل أن يظل الفعل محصوراً في النخبة التي تواجه المحتل قرب نقاط التماس، والتي يمكن أن تفتر همّتها مع الوقت وتضعف وصولاً إلى الانتهاء التلقائي.
إن خصائص المجتمع المقاوم الذي يعاني مرارة الاحتلال يجب أن تظلّ متمايزة وحاضرة، وأهمها ألا يقتصر حمل الهمّ على فئة واحدة فيه تتقدم الصفوف وتضحي وترعى الجمهور، بل أن ينتقل الجمهور من مقاعد المتفرجين إلى صفوف الفعل بمختلف أشكاله، ما دمنا نتحدث عن انتفاضة شعبية ونطالب بأن تظلّ محافظة على هذا النمط، أي أن المسؤولية الأساسية هنا تبقى ملقاة على عاتق الجمهور العريض بمختلف قطاعاته لأنه حجر الزاوية في الفعل الشعبي.
بقلم : لمى خاطر