المفاوضات في ميزان الربح والخسارة
تاريخ النشر : الإثنين , 29 يوليو 2013 - 1:33 مساءً بتوقيت مدينة القدس
وأخيرا بعد ست جولات مكوكية وجهود مضنية وشاقة قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المنطقة متنقلا بين رام الله والقدس وعمان، تم الإعلان عن اتفاق للعودة للمفاوضات بين الوفد الفلسطيني والجانب الإسرائيلي من جديد ومن الواضح بأن الضغط الأمريكي كان حاضرا وبقوة خلال تلك المرحلة التي استخدم خلالها كيري سياسة العصا والجزرة أو الدمج بينهما لإقناع الجانب الفلسطيني بالتراجع عن شروطه وقبوله بالعودة للمفاوضات دون التزام الجانب الإسرائيلي بوقف الاستيطان أو بدء المفاوضات على أساس حدود 67 هذا التراجع اعتبره الجانب الإسرائيلي إنجازا كبيرا على لسان وزير المواصلات يسرائيل كاتس وفي المقابل حرص كيري على تجنب غضب نتنياهو ليحظى بشرف الإعلان عن هذا الاتفاق وبالرغم من حالة التشاؤم الصريح والمعلن لدى جميع الأطراف وقناعتهم بأن هذه المفاوضات لن تختلف عن غيرها وأن مصيرها الفشل المحتوم إلا أن لكل طرف من هذه الأطراف أهدافا يسعى لتحقيقها أما بالنسبة للجانب الإسرائيلي الذي يعتبر الرابح الأكبر من هذه المفاوضات فتتمثل هذه الأهداف أولا الحفاظ على مستوى التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة التي وفرت الأمن والأمان لمواطنيها ولحكومتها نوعا من الراحة والاستقرار هذه الحقيقة يؤكدها جميع قادة الأجهزة الأمنية والمحللون العسكريون ومن بينهم روني دانئيل الذي تحدث عن وجود خمسة ألوية تابعة للسلطة تقوم بجهد كبير وجبار للحفاظ على الأمن, بالإضافة إلى ذلك فإن التنسيق الأمني يقضي على إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة تؤرق (إسرائيل).ثانيا تسعى (إسرائيل) من خلال قبولها بالعودة للمفاوضات إلى تعزيز الانقسام الداخلي بين الفلسطينيين والقضاء على أي محاولة للتوصل إلى مصالحة بينهم كيف لا وهي المستفيد الوحيد من حالة الانقسام واستغلال ذلك أمام العالم بأنها تفاوض المعتدلين وتحارب "المتطرفين".ثالثاً سد الطريق أمام السلطة الفلسطينية للتوجه لمجلس الأمن بطلب آخر كما حدث خلال اجتماع مجلس الأمن في سبتمبر الماضي وحصولها على دولة بصفة مراقب ، الأمر الذي يؤثر على (إسرائيل) سياسياً في حال استغلاله بشكل جيد من قبل السلطة الفلسطينية. رابعا استمرار لعب دور المسالم والراغب بالسلام وكسب الرأي العام الدولي للتهرب من العقوبات الاقتصادية ضدها أو لتقليصها وأيضا لاستغلاله في تبرير أي عدوان قادم ،وفي هذا السياق ذكر داني جلرمان مندوب (إسرائيل) السابق في الأمم المتحدة بأنه بفضل المفاوضات مع الفلسطينيين حصلنا على الدعم والتأييد الدولي خلال الحرب الدموية على غزة هذه الأهداف تتقزم أمام الأهداف التي يسعى الوفد الفلسطيني المفاوض لتحقيقها والتي لا تكاد تذكر بالمقارنة مع الأهداف الإسرائيلية فهي تتمثل بكسب ود ورضا الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي واستمرار الحصول على الدعم المالي الذي يضمن لها البقاء والتهرب من المصالحة التي تمثل نهاية وفشل استراتيجية الخيار الوحيد.أما بالنسبة للإدارة الأمريكية فإنها تجد في المفاوضات فرصة لاستعادة مكانتها وهيبتها في المنطقة وتغطية فشلها السياسي والعسكري وعجزها عن حسم أي قضية لاسيما وأنها دولة عظمى يتوجب عليها القيام بالمهمات المطلوبة منها دوليا ، فها هي تتخبط في سياستها الخارجية ولا تملك الجرأة في التعامل مع المسألة الإيرانية أو السورية أو المصرية, من هذا المنطلق فإن جميع الأطراف المشاركة والمشرفة على المفاوضات تجد فرصة لتحقيق مصالحها الشخصية ويبقى الخاسر والوحيد هو الوطن والمواطن الذي يدفع نتيجة ذلك مزيدا من المعاناة ومزيدا من الدم والهم.