أهم الأخبار

دور الشباب في الهجرة النبوية

طباعة تكبير الخط تصغير الخط
 0 Google +0  0
دور الشباب في الهجرة النبوية عناصر الخطبة: 1- طبيعة مرحلة الشباب. 2- اهتمام الإسلام بالشباب. 3- دور الشباب في الهجرة النبوية. 4- واقع الشباب. 5- الأمل المنشود في شباب الأمة.   الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد.   طبيعة مرحلة الشباب: إن مرحلة الشباب هي أخصب مراحل العمر وهي مرحلة العطاء والشباب هم الثروة الثمينة التي لا تعوض وهم تاج وعز الأمة بصلاحهم تنهض الأمة والشباب في أي مجتمع من المجتمعات عنصر حيوي في جميع ميادين العمل الإنساني والاجتماعي والثقافي والتكويني لهذا المجتمع وهم لبنة من لبنات بناته وعمرانه وأداة فعالة مهمة من أدوات حضارته واستمراره وهم همزة الوصل بين الماضي والمستقبل يحملون الحاضر وأماناته وراياته وقضاياه ليرحلوا بها إلى المستقبل بحرص وعطاء.   وفيهم يقول المولى عز وجل ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13] قيل في تفسيرها انهم هم الشباب وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا في دين الباطل ولهذا كان أكثر المستجيبين لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - شبابا.   قال عطاء الخراساني "طلب الحوائج من الشباب أسهل منه من الشيوخ".   وقال تعالى عن طبيعة هذه المرحلة ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ [الأحقاف: 20] أي أفنيتم شبابكم في الكفر والمعاصي قال ابن بحر الطيبات الشباب والقوة مأخوذ من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه وقوته.   فال الشاعر: إن الشباب والفراغ والجدة  مفسدة للمرء أي مفسدة    وقال الامام القشيري رحمه الله في تعليل تقديم دعوة سيدنا يوسف عليه السلام الفتيان على تفسير الرؤيا "ويحتمل أن يكون قد تفرس في الفتيان قبول التوحيد فإن الشباب ألين قلبا".   وكان عبد الله بن مسعود إذا رأى الشباب يطلبون العلم قال "مرحبا بكم ينابيع الحكمة ومصابيح الظلمة".   قال الشاعر: بادر شبابك أن يهرما  وصحة جسمك أن يسقما  وأيام شيبك قبل الممات  فما دهر من عاش أن يسلما ووقت فراغك بادر به  ليالي شغلك في بعض ما  وقدم فكل امرئ قادم  على بعض ما كان قد قدما   اهتمام الإسلام بالشباب: أما رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - فقد اشتد حرصه وتوجيهه للشباب، وظهرت عنايته الفائقة بهم، وإليك هذه النماذج اليسيرة: 1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.. ) الحديث وفيه: (وشاب نشأ في طاعة الله). (رواه البخاري، كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (الفتح2/143) رقم (660) كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة 2/715 رقم (1031).   2- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - شباب لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء). (متفق عليه، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب من لم يستطع الباءة فليصم، (الفتح 9/112).   3- قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن أبي سلمة (يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك). (رواه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام ( الفتح 9521) رقم (5376) ومسلم في كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب، 3/1599 رقم (2032).   4- وقال لابن عباس رضي الله عنهما: يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظ، احفظ الله تجده تجاهك.. ).(رواه أحمد 1/293، والترمذي، كتاب صفة القيامة، باب (59) برقم 2516 وقال: حديث حسن صحيح.   وغير ذلك كثير مما هو مسطر في كتب السنة، وتراجم الصحابة، وكتب السيرة.   لقد اهتم النبي - صلى الله عليه وسلم - بحماية الشباب من الانزلاق في الانحراف الفكري، وحدد للأمة منهج التلقي الصحيح وجعل المصدر في ذلك كتاب الله وسنته عليه الصلاة والسلام.   فها هو عليه الصلاة والسلام يحاور عدي بن حاتم لما سمع قول الله تعالى ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ... ﴾ [التوبة: 31] قال حاتم لسنا نعبدهم يا رسول الله قال عليه الصلاة والسلام أليس إذا أحلوا الحرام أحللتموه وإذا حرموا الحلال حرمتموه فتلك عبادتهم.   أيها الأخوة: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكتف بدعوته أن يأمر المسلمين بشرائع الإسلام ويوصيهم بها بل شاركهم أفراحهم وأحزانهم وعاش مع همومهم وغمومهم... وصدق الله إذ يقول فيه ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128].   لقد ربى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه على الجد والعمل وحذرهم من العجز والكسل والمسألة.   فها هو صلوات ربي وسلامه عليه يوجه السائل لما جاء يسأله مالاً فقال له لأن يحتزم أحدكم حزمة من حطب فيحملها على ظهره فيبيعها خير له من أن يسأل رجلا يعطيه أو يمنعه) خ.   إنه تدريب على العمل وتوجيه نبوي لحفظ كرامة المسلم من السؤال وإذلال النفس تحت وطأة حطام الدنيا الزائل إنه يحمل في طياته السمو بالنفس إلى العزة والإباء وعدم الركون إلى الدّعة والخمول.   وصورة أخرى لصور الاهتمام النبوي بالشعور النفسي بالشباب يدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد فيجد شابا من أصحابه قد جلس في المسجد فيقول له يا أبا أمامة مالي أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة قال هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال أفلا أعلمك كلاما إذا قلته اذهب الله همك وقضى عنك دينك قال بلى يا رسول الله قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. ففعل فأذهب الله عنه همه وقضى دينه) د.   ديننا اهتم بشئون الشباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية.. وفتح لهم آمالا.   ذكر الذهبي في السير عن عبدالرحمن بن كعب قال: كان معاذ بن جبل شابا جميلا سمحا من خير شباب قومه لا يسأل شيئا إلا أعطاه حتى كان عليه دين أغلق ماله كله فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكلم له غرماءه ففعل فلم يصغوا له شيئا فلو ترك أحد لكلام أحد لتُرك لمعاذ لكلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يبرح حتى باع ماله وقسمته بينهم فقام معاذ ولا مال له ثم بعثه إلى اليمن ليجربه فكان أول من تجر في هذا المال.   وهذا جليبيب صحابي جليل شاب أقبل على سن الزواج ولم يجد من يزوجه لقلة ذات يده فخطب له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال أستأمر أمها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فنعم إذا فانطلق الرجل إلى امرأته فذكر ذلك لها فقالت لا ها والله إذن ما وجد رسول الله إلا جليبيبا وقد منعناها من فلان وفلان فقالت الجارية أتريدون أن تردوا على رسول الله أمره إن كان قد رضيه لكم فانكحوه فذهب أبوها إلى رسول الله فقال إن كنت رضيته فقد رضيناه قال - صلى الله عليه وسلم - فإني قد رضيته فزوجها فدعا لها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال اللهم صب عليها صبا ولا تجعل عيشها كدا ثم فزع أهل المدينة فركب جليبيب فوجدوه قد قتل وحوله سبعة قتلهم فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه ثم وضعه رسول الله على ساعده وحفر له ليس له سريرا إلا ساعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وضعه في قبره.. فما كان من الأنصار أيم أنفق منها...(أي أكثر نفقة ومالا منها) أحمد والحاكم.   وهذا مالك بن الحويرث قال أتينا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن شببه متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة وكان - صلى الله عليه وسلم - رحيما رفيقا فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، وظن أنا قد اشتقنا إلى أهلنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال ارجعوا إلى أهليكم وأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم...) خ.   مراعاة للمشاعر والنفسيات وتقديرا للجهود والتضحيات.   وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه شاب في ريعان الشباب يؤمره النبي - صلى الله عليه وسلم - على جيش فيه أبوبكر وعمر وكبار الصحابة عرفا بأهمية دور الشباب في قيادة الأمة.   أيها الأخوة: تلك لمحات من اهتمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشباب ومراعاة أحوالهم ومشاعرهم والاهتمام بشئونهم فحفظ الشباب وتربيتهم يحتاج إلى منظومة متكاملة من الرعاية الشاملة لنواحي الحياة ومتطلبات العيش.   فلا بد من بناء الاستقرار في نفوس الشباب والمحافظة على نفسياتهم وأنفُسِهم والعيش مع شعورهم ومع آمالهم ومتطلباتهم المعيشية فيما لا يخالف نصا من كتاب الله ولا سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.   دور الشباب في الهجرة النبوية: أخوة الإسلام: تجلى في الهجرة دور الشباب كعبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه في نصرة هذا الدين ونجاح الدعوة إلى الله فبهمتهم واندفاعهم للتضحية والعمل الدؤوب وبتعلمهم كيف يكونون أعضاء صالحين في مجتمعهم ووطنهم وأمتهم تتقدم الأمة سريعا نحو النجاح والغلبة والتمكين بإذن الله.   والهجرة النبوية المباركة نجحت بفضل الله تعالى ثم بتفاني ثلة من شباب قريش؛ فعلي رضي الله عنه نام في فراش النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخادع المشركين، ويأخذ أبصارهم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحميه من مؤامرتهم، مع علمه أنه قد يقتل مكانه.   وكانت أسماء بنت أبي بكر تجهز الطعام وتذهب به إليهما، فتشق نطاقها نصفين، تتحزم بواحد، وتحزم الطعام بالآخر حتى سميت ذات النطاقين، وكانت إذ ذاك بنت سبع وعشرين سنة، وكان أخوها عبد الله شابا ثقفا لقنا يزودهما بأخبار قريش كل ليلة ويبيت عندهما، فإذا كان السحر عاد إلى مكة لا يشعر به أحد، وكان عامر بن فهيرة وقد أسلم وهو في بحر العشرين من عمره يرعى الغنم حتى يأتي بها إلى الغار فيحلب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر رضي الله عنه، فنجحت الهجرة على أيدي هؤلاء الشباب.   وحمل الإسلام والقرآن إلى المدينة النبوية بعد بيعة العقبة المباركة مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو دون الثلاثين، فكان قبل الهجرة داعية المدينة ومقرئها، وكان أغنى شباب مكة وأعطرهم، وعلى يديه أسلم سعد بن معاذ سيد الأوس وله بضع وثلاثون سنة، فقام سعد في قومه خطيبا فقال: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا. فأسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام.   وعالم الأنصار ومفتيها وقاضيها معاذ بن جبل رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثمانية عشر عاماً، وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضيا ومعلما ومفتيا وهو في العشرين.   واقع الشباب: أ- غياب الأهداف: صنف يعيش بلا أهداف، وصنف له أهداف دنيوية خالصة (المال والشهرة والمنصب...).   ب- غياب الأمل أو ضعفه والشعور باليأس: الأمل يحرك دوافع العمل، واليأس يقتل الفضائل في النفوس...   ج- الانحراف في الفكر أو السلوك أو فيهما معا: أدى إلى ارتكاب المظالم في حق الإسلام وفي حق الأبرياء، وانحرافهم ترجم في معاصي وآثام.   من مظاهر الانحراف: 1- عند الشباب عموما: • إفساد الحياة الاجتماعية. • ارتكاب الجرائم... • ارتكاب الفواحش...   2- عند الشباب الملتزم: • الطعن والتجريح في العلماء والدعاة. • الاهتمام بصغائر الأمور والمسائل الخلافية. • إشاعة الفتن.   قال الشاعر: كن رابط الجأش وارفع راية الأمل  وسر إلى الله في جد بلا هزل  وإن شعرت بنقص فيك تعرفه  فغذ روحك بالقرآن واكتمل وحارب النفس وامنعها غوايتها  فالنفس تهوى الذي يدعو إلى الزلل    الأمل المنشود في شباب الأمة: يا مسلمون يا مسلمون، الشباب أمانة في الأعناق، يا معشر الآباء خذوا على أيدي السفهاء، وأطروهم على الحق أطرا، يا من انبرى للتربية والتعليم، اتق الله في من تحت يدك من أبناء المسلمين، عليك بجادة السلف الصالح، عظم في نفوسهم الكتاب والسنة، ازرع في قلوبهم القدوة الصالحة من النبيين والصحابة والتابعين، والعلماء الربانيين، والأئمة المهديين، عليك بغرس جميل القيم، وقيم الأخلاق، نسأل الله للجميع صلاح النية والذرية، وحسن القصد، وسلامة المنهج.   يا شباب هذه الأمة: إن المرجو فيكم أعظم مما أنتم عليه، وإن الأمل فيكم أكبر مما أنتم فيه فارفعوا هممكم، وتسلحوا بما يحفظكم ويرفع قدركم بين الأمم، والحذر الحذر من العطالة والبطالة والفراغ، الحذر الحذر من أن يكون بينكم عاطل لا فائدة للأمة منه، أو يكون بينكم ضعيف متكاسل يجره الطمع والجشع إلى المولاة والتدبير فيما يضر المجتمع والأمة، أو إلى التكسب بأسباب الحرام والمخدرات وغيرها.   أنتم معاشر المسلمين كل منكم على ثغرة، كل منكم على ثغرة في عمله وفي ميدانه، وفي دراسته وأسرته، أصلحوا شئونكم داخل المجتمع بالأمانة والقوة في تدبير مهماتكم ومسؤولياتكم يهابكم الأعداء ويقتدي بكم الأصدقاء، تناصحوا وتواصوا بالحق والصبر، وابذلوا الإخلاص والنصيحة لولاة أموركم، وائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فيما بينكم.   عباد الله: تذكروا أن هذه الدنيا ممر وليست مقراً، الزراعة فيها اليوم والحصاد غداً. والله من وراء القصد