أهم الأخبار

رمضان شهر العتق من النيران

طباعة تكبير الخط تصغير الخط
 0 Google +0  0
الحمد لله الذي كتب علينا الصيام وجعله ركنًا من أركان الإسلام، وجعل له شهرًا من صامه وقامه إيمانا واحتسابًا غفرت ذنوبة العظام، والصلاة والسلام على خير من صلى وصام، وعلى آله وصحابته الكرام، وبعد: فإن شهر رمضان هو شهر العتق من النيران عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان، صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) [صحيح الترمذي (682)، وصحيح ابن ماجه (1642)] افتتح النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحديث موسم السباق إلى الطاعات وبشر بإزالة المعوقات التي تؤدي إلى المعاصي والزلات، فما علينا إلا أن نجيب داعي الله ونقبل على فعل الخيرات ونبتعد عن مواطن المهلكات لنحيا حياة طيبة في الدنيا وفي الآخرة. هذا العتق من النار في رمضان مستمر في الليل والنهار، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة) [صحيح الترغيب (992)، وصحيح الجامع (2169)] أقبل رمضان بكل بركاته وخيراته التي لا تُعد ولا تُحصى، من هذه البركات والخيرات: أنه شهر العتق من النيران، كلنا والله يريد أن تعتق رقابنا من النار فلا تضيع الفرصة العظيمة التي لا تقدر بمال، هيا بنا نبحث عن أسباب ذلك: 1- استعن بالله -عز وجل- قال تعالى: ﴿ومن يتوكل على الله فهو حسبه﴾ [الطلاق: 3] في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل). يقول الإمام النووي: «المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة؛ فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك، واحتمال المشقات في ذات الله تعالى وأرغب في الصلاة والصوم والزكاة وسائر العبادات وأنشط طلبا لها ومحافظة عليها ونحو ذلك» [شرح مسلم] اهـ. قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) احرص على ما ينفعك في معاشك ومعادك، والمراد: الحرص على فعل الأسباب التي تنفع العبد في دنياه وأخراه مما شرعه الله تعالى من الأسباب الواجبة والمستحبة المباحة ويكون العبد في حالة فعله السبب مستعينا بالله وحده دون كل ما سواه ليتم له سببه وينفعه، لأن الله تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب. [شرح كتاب فتح المجيد ص395] 2- بع نفسك لله تعالى. يقول الله تعالى: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة﴾ [التوبة: 111]. يقول العلامة السعدي: «إذا أردت أن تعرف مقدار هذه الصفقة فانظر إلى المشتري من هو، هو الله جل جلاله، وإلى العوض وهو أكبر الأعواض وأجلها؛ جنات النعيم، وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان» [تفسير السعدي ص353] وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقه). يقول الإمام النووي -رحمه الله-: «فمعناه كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها أي يهلكها، والله أعلم» [شرح مسلم]   3- اقتحم العقبات بشدة. قال تعالى: ﴿فلا اقتحم العقبة "11" وما أدراك ما العقبة "12" فك رقبة﴾ [البلد: 11- 13]. معنى اقتحم: دخل فيه بشدة وبعنف. والمعنى: يا من تريد دخول الجنة بسلام ادخل بعنف وبشدة في العقبة بل هذه العقبات التي منها مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه الشيطان.   - عقبة الذنوب التي تضره وتؤذيه وتثقله في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة. - عقبة هول العرض على الله تعالى والوقوف بين يديه. - عقبة الصراط وهوله الذي يضرب على متن جهنم كحد السيف. - عقبة هول النار. [تفسير القرطبي (8/7346)] وما أدراك ما العقبة: للتفخيم والتعظيم من شدة العقبة التي لا تحتاج إلى الكسل والتراخي بل تحتاج إلى الهمة العالية دائما. فك رقبة: أي عتقها أو المعاونة عليها أو عمل الخير ليعتق رقبته من النار. ومن الأعمال الصالحة التي تعتق من النار: * الإخلاص في الصيام: قال تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ [البقرة: 185]. معنى لعلكم تتقون أي: كتب عليكم الصيام لتجعلوا لأنفسكم به وقاية من عذاب الله -عز وجل-. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصيام جنة وحصن حصين من النار) [صحيح الجامع 3880)] يلاحظ في هذا الحديث التأكيد على أن الصيام وقاية من كل ما يتقى ويخاف منه وكذلك حصن قوي منيع من النار. عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض) [صحيح الجامع 6333، وصحيح الترغيب 981] هذا الفضل يأخذه من صام صوما حقيقيا مخلصا لله صادقا مع الله ومع نفسه في كل الطاعات. أخي: «إذا كانت أعظم أمنية لآخر أهل النار خروجًا منها -وهو من يخرج منها حبوا- صرف وجهه عن النار قبل الجنة لا يسأل مولاه غير ذلك، فكيف إذا باعد الله وجهه وجعل بينه وبين النار خندقًا مسافة خمسمائة عام هذا بصيام يوم واحد نفلا فما ظنك بصيام شهر رمضان وهي الفريضة؟» [نداء الريان 1/40] * حفظ اللسان: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (الصيام جنة ما لم يخرقها، قيل: وبم يخرقها؟ قال: بكذب أو غيبة). قال الحافظ ابن حجر: «حكي عن عائشة وبه قال الأوزاعي إن الغيبة تفطر الصائم، وتوجب عليه قضاء اليوم» [فتح الباري 4/125] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [البخاري 1903] قال ابن العربي: «مقتضى هذا الحديث أن من فعل ما ذكر لا يثاب على صيامه ومعناه أن ثواب الصيام لا يقوم في الموازنة بإثم الزور وما ذكر معه». [فتح الباري] عليك وأنت صائم أن تتجنب الزور قولاً وعملاً من كذب وغيبة ونميمة وتدافع عن إخوانك المسلمين برد غيبتهم حتى يعتقك الله تعالى من النار. عن أسماء بنت يزيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من ذب عن عرض أخيه بالغيبة كان حقا على الله أن يعتقه من النار). [صحيح الجامع6240]. وذلك من حقيقة الصيام. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (ليس الصيام من الأكل والشرب، وإنما الصيام من اللغو والرفث). [صحيح الجامع 1075] * الدعاء: عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى عند كل فطر عتقاء من النار وذلك كل ليلة». [صحيح الترغيب 991] فرمضان شهر الدعاء كما قال تعالى: ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون﴾ [البقرة: 186]. يقول ابن كثير: «ذكر الله تعالى هذه الآية الباعثة على الدعاء متخللة بين أحكام الصيام إرشادا إلى الاجتهاد في الدعاء عند إكمال العدة بل وكذا كل فطر». [تفسير ابن كثير 1/219] عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن لله تبارك وتعالى عتقاء في كل يوم وليلة -يعني في رمضان- وإن لكل مسلم في كل يوم وليلة دعوة مستجابة). • اغتنم أوقات الإجابة ووعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لك على الأقل في كل يوم وليلة دعوة مستجابة، وادع بالأدعية الجامعة التي منها:ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله) [النسائي 2066، وصححه الألباني] تذوق معنى هذه الكلمات الجامعة وثبت الأجر إن شاء الله، ثبت أجر الصيام والقيام وكل الطاعات وذلك بمغفرة الذنوب وستر العيوب والعتق من النار ودخول الجنة مع الأطهار. * الاقتداء بأهل العتق من النار: أولهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير﴾ [الأحزاب: 21] ، هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وأحواله. [تفسير ابن كثير 3/490] ومنهم أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (إن أبا بكر دخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «أنت عتيق الله من النار فيومئذ سمي عتيق) [الترمذي 3679، وصححه الألباني] وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: (من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن شيع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر أنا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة). [مسلم] لاحظ في الحديث السابق أن الصديق -رضي الله عنه- سباق إلى كل خير وصاحب همة عالية ويطلب معالي الأمور ونحن في شهر الجود والكرم، فجد بكل الأعمال الصالحة وتاجر مع الله عز وجل حتى تحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. والله ولي التوفيق.