غزة: الشهداء وجدوا المأوى والأحياء ينتظرون!
تاريخ النشر : الأربعاء , 19 أغسطس 2009 - 10:53 صباحاً بتوقيت مدينة القدس
في غزة يقول الناس: الشهداء هم من نالوا حظهم في الحصول على أماكن تأويهم، وذلك في ظل احتدام الخلاف والجدل الدائر بين السلطة الفلسطينية، وحركة"حماس"حول من يتولى مهمة إعمار غزة، والموقف العربي في وضع الشروط بعدم البدء في الأعمار إلا بعد إتمام المصالحة الفلسطينية.
يرافق كل ذلك دور أوروبي مرفوض أيضاً في الموقف من العدوان الإسرائيلي، والاستمرار في حصار القطاع، والتماهي مع الموقف الإسرائيلي من فرض الشروط لرفع الحصار، وفتح المعابر، وربط ذلك بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف"غلعاد شاليط".
وعلى رغم ما حل بالقطاع من شهداء وجرحى ومعاقين وآثار نفسية واجتماعية سلبية، ودمار وخراب جراء العدوان، وما خلفه أيضا من مهجرين فقدوا منازلهم يقدر عددهم بأكثر من 100 ألف من المدنيين الذين يفترشون العراء، وما تبقى من ركام المنازل المدمرة، وخيام قليلة توزعها"أونروا"واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
وأصبح الفلسطينيون مهجرين مرة أخرى، بالإضافة إلى المرات السابقة على مدار تاريخهم الحافل بالمآسي والنكبات، وكأن قدرهم أن يظلوا لاجئين داخل وطنهم (وخارج الوطن أيضا)، ويستمرون في الانتظار طويلاً، والاصطفاف في طوابير لاستلام المساعدات القليلة، التي لا تكفي سد رمق العائلات الكبيرة، وكأن الحياة هي مأكل ومشرب فقط.
ويقول الناس غير المستغربين من مواقف بعض الدول العربية بربط وصول المساعدات واعمار غزة بالمصالحة، إن الانقسام العربي ينعكس سلبا على الفلسطينيين ويؤثر بشكل كبير في استمرار حال الانقسام لديهم، وبإمكان العرب المساعدة في وضع حد للانقسام الفلسطيني، إلا أنهم يحملون العرب مسؤولية استمرار الانقسام، والحال الذي وصلوا إليه.
فالانقسام العربي والفلسطيني شجع دولة الاحتلال في شن العدوان على القطاع، واستمرار الحصار وإغلاق المعابر، وفرض الشروط والاملاءات عليهم، وابتزازهم.
والفلسطينيون لا يحملون العرب وحدهم المسؤولية عن استمرار دولة الاحتلال في اغتصاب الأرض الفلسطينية، واستمرارها في ضرب الفلسطينيين بشكل إجرامي، فهم يحملون دول الاتحاد الأوروبي المسؤولية ويتهمونها بالتواطؤ والتآمر عليهم، خصوصاً فرنسا التي سارعت بمجرد الإعلان عن وقف إطلاق النار إلى إرسال سفن حربية فرنسية إلى شواطئ البحر المتوسط، والبحر الأحمر لمراقبة شاطئ غزة ومنع تهريب الأسلحة للمقاومة، خاصة حركة حماس، تطبيقاً لاتفاق إسرائيلي أميركي.
الفلسطينيون كانوا ينظرون دائما إلى فرنسا على أنها دولة صديقة لهم، ومع بداية العدوان قامت فرنسا بمحاولة التوسط لوقف العدوان من خلال الاتصال بحركة"حماس"إلا أنها فشلت بذلك، وزار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي المنطقة العربية، والتقى قادة كل من مصر وإسرائيل وسورية والرئيس محمود عباس، وتقدمت فرنسا بمبادرة أعتبرها بعض الفلسطينيين محاولة للالتفاف على قرار مجلس الأمن الذي أصدر قرارا غير ملزم بوقف إطلاق النار، وكان لفرنسا دور في محاولة تأجيله خشية إدانة إسرائيل.
الدم الفلسطيني لم يجف بعد والعدوان مستمر، وعشرات آلاف المشردين الذين فقدوا المأوى يعيشون في العراء وفي خيام لم تستطع أن تسد حاجتهم وتحميهم من البرد القارس، وعشرات آلاف المنازل المحطمة نوافذها طوال فترة العدوان وحتى الآن، وهم يعيشون في ظروف صعبة وقاسية والمأساة مستمرة، وهم بحاجة، أقله، إلى الزجاج لإصلاحها، وإلى الوقود وغاز الطبخ والدواء والغذاء وإعادة إعمار البنية التحتية مثل شبكة الكهرباء المدمرة كلياً وغيرها من مقومات الحياة الأساسية التي فقدها الفلسطينيون في القطاع منذ أكثر من عامين.
فقادة الدول الأوربية بمجرد وقف إعلان وقف إطلاق النار توجهوا بناء على الدعوة التي وجهها الرئيس المصري حسني مبارك إلى شرم الشيخ، وبدلاً من البحث في وقف العدوان وإدانته ورفع الحصار، تسابقوا في إدانة الفلسطينيين في حقهم بالدفاع عن أنفسهم، وتبنوا موقف دولة الاحتلال وحقها المزعوم في الدفاع عن أمنها وسلامة مواطنيها، والتطوع بإرسال السفن البحرية لمنع تهريب الأسلحة، وبعضهم أبدى استعداده في إرسال الخبراء والمعدات والتكنولوجيا لمراقبة الحدود لمنع التهريب عبر الحدود مع مصر.
ولم يكتفوا بذلك بل قاموا جميعا بزيارة إلى دولة الاحتلال وأعلنوا تضامنهم معها ضد الإرهاب الفلسطيني، وأصبحت الضحية في نظرهم هي المعتدي، وقام الرئيس الفرنسي الأسبوع الماضي باستقبال والد الجندي المختطف غلعاد شاليط، ووعده بأن يعمل على المساعدة في الإفراج عنه، في حين أن 11الف أسير فلسطيني لا يزالوا يرزحون خلف الجدران الرطبة في السجون الإسرائيلية، من دون أمل في الإفراج عنهم سوى بصفقة تبادل الجندي الأسير بأكبر عدد منهم.
ومع كل ذلك، فالفلسطينيون يتحملون جزءاً كبيراً من الحال التي وصلوا إليها من تصادم المشاريع والارتهان لأجندات إقليمية ودولية، من دون الأخذ في الاعتبار أن المصلحة الفلسطينية تحتم عليهم التوحد خلف المشروع الوطني، والعمل وفق إستراتيجية وطنية تجنبهم الدخول في أجندات تحرف مسار نضالهم في التحرر من الاحتلال، والعمل من اجل إعمار غزة وما تبقى من ركام القضية الفلسطينية، وإلا لن يجد الفلسطينيون في غزة المأوى سوى للشهداء منهم فقط.