بين تموزين: انتصاران / مصطفى إبراهيم
تاريخ النشر : الأحد , 16 أغسطس 2009 - 11:11 صباحاً بتوقيت مدينة القدس
بقلم/ مصطفى إبراهيم
قلت لصديقي أتذكر يوم العملية الفدائية الجريئة والنوعية التي نفذتها الشهيدة القائدة دلال المغربي ورفاقها، فرد بالقول أذكر ذلك اليوم جيداً بكل تفاصيله، كان يوم سبت ماطراً، تابعنا الأخبار عبر إذاعتي "مونت كارلو"، و"بي بي سي" ، وعلمنا لاحقاً أن مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين والعرب، وفي مقدمهم فتاة تدعى دلال المغربي حطوا على الشاطئ الشمالي لفلسطين، وبعد مرور الأيام عرفنا من جارتنا في رفح أن أحد أفراد المجموعة هو ابن أختها.
دلال قادت مجموعة فدائية من العرب والفلسطينيين في عملية فدائية بطولية، وعندما عادت دلال إلى المكان الذي انطلقت منه إلى فلسطين وودعها فيه أهلها ورفاقها ومعهم اللبنانيون أستقبلها كل اللبنانيين، والعرب عبر شاشات التلفزة، أما في فلسطين فاكتفى الفلسطينيون باستقبالها بالفخر تارة، وبالدموع والحزن والحسرة على الحال التي وصلوا إليها ويعيشونها، ولم يتمكنوا من تنظيم استقبال يليق بالشهيدة البطلة ورفاقها.
منذ ساعات الصباح الباكر يوم الأربعاء السادس عشر من تموز ( يوليو) انتظر الفلسطينيون واللبنانيون طويلاً لاستقبال رفات الشهداء، والأسرى الأبطال، وعلى رأسهم عميد الأسرى العرب واللبنانيين الأسير البطل سمير القنطار.
تسمرنا طويلاً أمام الشاشة الصغيرة في انتظار مشاهدة الرفات، وإطلالة سمير ورفاقه بين أهله وشعبه، وفي أحضان رجال المقاومة وسيدها صاحب الوعد الصادق.
وما إن أعلن عن وصول سمير ورفاقه الأربعة إلى المكان المخصص لاستقبالهم في الأراضي اللبنانية، ورؤيته بالبزة العسكرية اختلطت مشاعر ودموع الفرح بالحزن، الفرح لمشاهدة سمير حر في وطنه، وباستكمال الوعد الصادق بالوعد القاطع، والإفراج عن سمير ورفاقه، ودموع الحزن على الحال التي نحن فيها كفلسطينيين من حال الانقسام والشرذمة وعدم القدرة على الإيفاء بالوعود والعودة إلى الوحدة والمصالحة الوطنية.
اللبنانيون استطاعوا أن يحققوا الوحدة وانهوا حال الانقسام والتدهور في علاقاتهم الوطنية، والاصطفاف خلف حكومة الوحدة الوطنية واستقبال الشهداء والأسرى، أما في فلسطين فعلى رغم دعوات الوحدة والمصالحة فالحال على ما هي عليه من شرذمة وتدهور في العلاقات والوطنية، وحال الفصل السياسي والجغرافي وحرب المناكفات التي طلت من جديد لتطول كل شيء جميل ومشترك لديهم، والركون للوعود الأمريكية بالحل المزعوم قبل نهاية العام 2008.
في لبنان وجهت دول عربية وأطراف لبنانية اتهامات للمقاومة بالمغامرة بمصير البلاد، وأنهم يعشقون ثقافة الموت، إلا أن "المغامرين" استطاعوا أن يستبدلوا ثقافة الموت بثقافة الحياة، فهم صنعوا من الموت حياة لكل العرب من خلال تسجيل الانتصارات على دولة الاحتلال.
سجل "المغامرون" انتصارن في عامين، وقبل ذلك سجلوا الانتصار الأكبر في العالم العربي عندما طردوا الجيش الذي لا يقهر من بلادهم في العام 2000.
بين تموزين انتصاران، جاء الأول في تموز ( يوليو) 2006، وكان أسطورياً على دولة الاحتلال والقتل، استطاع نفر قليل من العرب اللبنانيين أن يحاصروا دولة القتل مدة 33 يوماً، وينتصرون عليها والإثبات أن خيار المقاومة هو خيار الشعوب العربية، مقابل خيار الاعتدال المدعوم أمريكياً وأوروبياً، الذي لم يجلب للعرب والفلسطينيين إلا العجز والذل والهوان والمماطلة والتسويف وسرقة خيرات البلاد.
دولة الاحتلال خرجت للحرب على لبنان في تموز 2006، رافعة شعار استعادة الجنديين المختطفين، وتجريد حزب الله من سلاحه والقضاء عليه، لكنها لم تحقق إلا خيبة الأمل والهزيمة، وجثتين للجنديين بالمفاوضات غير المباشرة بعد عامين، وإعادة كل الأسرى اللبنانيين، ورفات 199 جثة لمقاومين فلسطينيين وعرب.
بين تموزين انتصاران، جاء الثاني في السادس عشر من تموز( يوليو) 2008، وكان أسطورياً أيضاً في إضعاف الروح المعنوية للدولة العبرية.
حمل الانتصار الثاني عنوان "عملية الرضوان" نسبة إلى صاحب الانتصارين الشهيد عماد مغنية.
وعلى رغم أن الثمن، الذي دفعه اللبنانيون من دمائهم وأبنائهم ومالهم كان غالياً، إلا أنهم حققوا الشعارات التي رفعوها من اجل التحرير وفي مقدمها الأسرى، فكان يوم الانتصار عظيماً لكل العرب، وليس للبنانيين وحدهم.
حلم العرب منذ زمن برؤية يوم كهذا، تحرير الأسرى وإعادة رفات الشهداء من العرب واللبنانيين والفلسطينيين، يوما يتطلع له الفلسطينيون إلا أنهم مازالوا ينتظرون.
سيظل الفلسطينيون يتحسرون على واقعهم وحالهم وستظل دموعهم تذرف على أبنائهم الأسرى، وسيظل ذوو الأسرى ينتظرون أبناءهم الذين قضوا زهرة شبابهم في الأسر، وينتظرون "مكرمات" من دولة الاحتلال للإفراج عن أبنائهم، وسيظل الأمل معقوداً على فصائل المقاومة التي تختطف الجندي الصهيوني "غلعاد شاليت"، الذي دفع الفلسطينيون ثمناً غالياً منذ اختطافه، فعليهم الاصطفاف خلف المقاومة من أجل تعزيز موقفها في مبادلته بأكبر عدد ممكن من الأسرى الأبطال.
فلسطين سيظل جرحها نازفا، ليس لان الفلسطينيين منقسمين على أنفسهم فقط، بل لان الاحتلال ما يزال جاثما على كل الأرض الفلسطينية، ويرفض الاعتراف بحقهم في التحرر وإقامة دولتهم المستقلة، وسيظل الفلسطينيون يتعرضون للضربات، والملاحقات والاغتيالات والاعتقالات، ومصادرة أراضيهم وبناء المستوطنات.
الفلسطينيون قادرون على إنهاء حال الانقسام والعودة إلى الوحدة الوطنية، فقد استطاعوا الاتفاق على إعلان نتائج التوجيهي بشكل مشترك من رام الله وغزة، وعبر شاشتي تلفزيون فلسطين والأقصى، فهل يستطيعون أن يعلنوا عن إنهاء حال الانقسام والتوحد خلف المقاومة في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين؟