بعد تراجعاته المُذلّة.. ماذا في جعبة «الحاوي» نتنياهو؟!
بقلم: هاني حبيب
وهو يتطلع إلى رئاسة خامسة لحكومة "إسرائيل" في انتخابات برلمانية قادمة، يقع نتنياهو في فخ شعوذته بعدما فقد في الأيام الأخيرة سحره المرتكز على ثلاثة عناصر: الأمن والتلاعب مع قيادات الأحزاب وابتزازها، وكرجل اليمين الذي لا يمين على يمينه، هذه العناصر مكّنته في السابق من الانتصار على منافسيه لأربع مرات متوالية تقريباً، رجل "إسرائيل" القوي تهاوى في نظر وسائل الإعلام اليمينية كما في استطلاعات الرأي خلال اسبوع واحد تقريباً، وهو الأسبوع الثاني من أزمة الحرم القدسي الشريف، مع سلسلة من التراجعات المتلاحقة بشكل يومي، على خلفية ما يسمى أزمة «البوابات الإلكترونية».
تنفس نتنياهو الصعداء إثر إقدام أحد دبلوماسييه على قتل أردنييْن في سفارته في عمان، ونجاحه في استعادة طاقم السفارة بمن فيهم القاتل، إلاّ أنه سرعان ما أرغم على الاستمرار في مسلسل التراجع تحت ضغط الحراك الشعبي الفلسطيني، والمقدسي على وجه الخصوص، ولم ينجح في إقناع طاقمه في الليكود أو في حكومته بأن هذا التراجع يعود إلى توصيات قيادات أجهزة الأمن و«الشاباك» بشكل خاص، الأمر الذي انعكس في تغطيات وسائل الإعلام التي كالت له شتى التهم، بالتوازي مع استطلاعات الرأي التي أشارت إلى تراجع شعبيته إلى حد غير مسبوق، بينما الرأي العام يشير عَبر صفحات التواصل الاجتماعي، الى أن المنجز الأساسي لسياسته خلال الأزمة كان عبارة عن مقتل خمسة "إسرائيليين"!
ولعل أحد أبرز المتغيرات على صعيد الدعم الإعلامي لنتنياهو، تخلي الصحيفة التي كانت تعبر عنه وتدعم توجهاته إلى درجة أنه قيل إنها إنما صدرت لهذا الغرض، وهي صحيفة «إسرائيل اليوم» والتي تُوزَّع مجاناً على نفقة صديقه المقرب جدًا والملياردير اليهودي شيلدون ادلسون، وحسب الصحف "الإسرائيلية" الأخرى، فإن هذه الصحيفة ركزت اهتمامها على مهاجمة الصحف والإعلام التي تصدت لسياسات نتنياهو، وقد جاء العنوان الرئيس للصحيفة الأسبوع الماضي أن نتنياهو بلا حول وضعيف ومرتبك على خلفية قراراته وتراجعاته أثناء أزمة الأقصى، إلاّ أنه يصح القول إن الافتراق بين الصحيفة ونتنياهو كان ليل الأزمة، عندما اضطر ادلسون إلى الشهادة ضد نتنياهو أثناء التحقيق في الملف المعروف إعلامياً بالرقم 2000، وتبين أن أدلسون أخذ يميل نحو «حليف وخصم» نتنياهو في الحكومة نفتالي بينيت، وذلك يعكس رهانًا على أن المذكور يمكن المراهنة عليه كونه أكثر يمينية ودموية من نتنياهو الذي إن لم يسقط بسبب التحقيقات العديدة على ملفات كثيرة، فإنه سيسقط اثر فشله في إدارة دفة السياسة أثناء أزمة الأقصى وتراجعاته المهينة التي أرغم عليها نتيجة للحراك السلمي للجمهور الفلسطيني وعلى الأخص المقدسيين منهم
استطلاعات الرأي التي صدرت نتائجها أثناء وبعد الأزمة، أشارت إلى شعور واسع بالإحباط والإهانة والمذلة لدى الجمهور على خلفية إدارة نتنياهو للأزمة، وحيث يتبين من هذه النتائج أن 77 في المئة من المستطلعين يعتقدون أن هناك تراجعًا واضحًا من قبل حكومة "إسرائيل" في حين أن 68 في المئة منهم يعتقدون أن إزالة البوابات الإلكترونية كان خطأً كبيرًا ، وفي سياق هذه النتائج تبين أن هناك انقساماً لدى الإدارة "الإسرائيلية" بين المستويين الأمني والسياسي، من خلال مواقفهما إزاء تداعيات وتطورات الأزمة وسبل التعامل معها، أما إذا تابعنا وسائل الاتصال الإلكتروني ومواقع التصفح، فإنها تضجّ بالسخرية من انقسامات هذين الوسطين تحديداً، بينما عبّر البعض من المشاركين في الغالب عن أن الانسحاب من المواجهة مع الفلسطينيين جعل لديهم إحساساً بالعار والمذلة.
ويمكن القول، إن نتنياهو منح سُلَّمًا للنزول عن شجرة غطرسته أكثر من مرة، إلاّ أنه اضطر مرغمًا على الوقوع عن هذه الشجرة شر وقعة مع انكسار هيبته وغطرسته، الأمر الذي يستدعي سؤالاً لا بدّ منه: ماذا سيفعل نتنياهو في اليوم التالي؟ واقع الأمر أن الإجابة باتت أكثر وضوحاً مع سلسلة التصريحات والمواقف التي اتخذها مؤخراً إثر الأزمة: دعم عقوبة الإعدام والموت لمنفذي العمليات الفلسطينيين، استئناف العمل في مستوطنة «عمونا» البديلة، ودعم قانون القدس الكبرى، وتوجيهات لفحص يدوي للمصلين الذين يرغبون في الصلاة في الحرم القدسي، ناهيك عن تلاسن حاد مع الرئيس التركي أردوغان على خلفية تصريحات الأخير أثناء أزمة الأقصى، ثم الكشف عن مقترحات تقدم بها إلى الجانب الأميركي تقضي باستبدال مناطق في المثلث، مثل وادي عارة، والتي ذات أغلبية كبيرة من الفلسطينيين، بمستوطنات الضفة الغربية، وهي المقترحات التي سبق لوزير الحرب ليبرمان أن تقدم بها
لكن ما يحتاجه نتنياهو لترميم صورته المشروخة، أكثر من ذلك بكثير، خاصة بعدما تبين أن تراجعاته تحت الضغط الشعبي الفلسطيني، كانت أكثر إيلاماً من فضائح التحقيقات الشرطية معه، ما قد يشير إلى أنه قد يلجأ إلى تسخين الجبهات شمالًا وجنوبًا.. وربما إلى حرب أو أكثر!!