يُشكل "يوم الأرض" مناسبة خاصة بالفلسطينيين، يحيون ذكراه وسط مطالبات ودعوات بالتمسك بالأرض وتحريرها من احتلال زاد عُمره عن الـ 65 عامًا (..) ولكنه بالنسبة للمزارعيْن "نائل وبهجت حجي"، من قطاع غزة، يومًا لتجديد تمسكهما بالأرض وارتباطهما بها.
فهما يواصلان نثر بذورهما في أرضهما المحاذية للشريط الحدودي شرق القطاع، غير آبهين لقيام قوات الاحتلال بتجريف تلك الأراضي.
نائل حجي واحد من مئات المزارعين الفلسطينيين الذين قامت قوات الاحتلال بتجريف أراضيهم الزراعية على مدار السنوات الماضية، في إطار سعيها عمل منطقة عازلة تبعد 300 مترًا عن الحدود، على حساب أخصب الأراضي الزراعية لقطاع غزة.
تبلغ مساحة أرض المزارع الفلسطيني نائل حجي 27 دونمًا، تجاوز حبه وتعلقه بها كل الحدود، وهو يُخاطر بحياته لكي يُبقي عليها "مخضرّة مزهرة" رغم آلة الحرب التي تسعى صباح مساء على مسحها ".
ويؤكد أن "يوم الأرض" الذي يحيه الفلسطينيون في الثلاثين من آذار (مارس) كل سنة، يعيشه يوميًا في مقارعة قوات الاحتلال وهو ينافح ويرفض الاستسلام سعيًا منه لإبقاء هذه الأرض مثمرة.
تقع تلك الأرض شرقي قرية "جحر الديك"، وسط قطاع غزة، وتبعد عن السياج الفاصل مسافة 300 مترًا (..) ولا يُمكن للمزارع حجي ذو الـ 37 ربيعًا أن يستفيد من 7 دونمات من أرضه الزراعية، بسبب منع الاحتلال له من الوصول إليها.
واستدرك: "تسمح لنا قوات الاحتلال في بعض الأوقات، العمل بأرضنا وزراعتها، وما أن يأتي موسم جمع المحصول تقوم بإطلاق النار علينا لنرى ما زرعناه يموت أمام أعيننا دون أن نمتكن من الوصول إليه".
وأشار حجي إلى أن قوات الاحتلال تُطلق النار عليهم أثناء عملهم في الأرض، بشكل يومي (..) "وأحيانًا في اليوم الواحد أكثر من مرة، ويتم إجبارنا على مغادرتها". مبينًا أن اعتداءات وتجريف قوات الاحتلال لأرضه كبده خسائر كبيرة وصلت إلى 20 ألف دولار.
ولا تختلف قصة "بهجت حجي (50 عامًا)"، والذي يمتلك 19 دونمًا في نفس المنطقة (شرقي القطاع)، فقد تعرضت أرضه للتجريف والدمار عدة مرات.
وأكد أن قوات الاحتلال تمنعه من الوصول لـ 6 دونمات من أرضه "بقوة النار". موضحًا أن الاحتلال جرّف أرضه عشر مرات، (غير أوقات الحروب)، ودمر بئر مياه، ما كبده خسائر بأكثر من 100 ألف دولار، مشيرًا إلى أنه يقوم منذ 17 عامًا بالزراعة في هذه الأرض.
وتابع: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر حضرت إلينا، ووقفت على معاناتنا اليومية من تجريف وإطلاق نار، وقامت بتزويدنا بأرقام هواتف خاصة للتواصل معهم في حال إطلاق النار علينا إلا أن ذلك لم يغير شيء".
بدوره، اعتبر نائب مدير "المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان"، جبر وشاح، ما يحصل في المنطقة الحدودية الممنوع الوصول إليها من قبل أصحابها المزارعين "جريمة متصلة" بحق تلك الأراضي وما يطالها من تجريف وتدمير.
ووصف وشاح في حديثه مثابرة المزارعين وعدم استسلامهم على الحدود بـ "العناد الإنساني" لاستزراع أرضهم واستثمارها رغم ما يحيط بهم من خطر داهم ومن موت حقيقي.
ورأى وشاح أن الرواية الصهيونية حول تسمية تلك المناطق بـ "العازلة، والتي تشكل خطرًا على أمن إسرائيل"، زائفة، مشيرًا إلى أن الاحتلال يُجرف كل شيء هناك "حتى الشجيرات والنباتات الصغيرة، بحجة حجب الرؤية أمام قواته".
واعتبر الحقوقي الفلسطيني ما تقوم به قوات الاحتلال أنه يندرج ضمن "الجريمة مكتملة الأركان"، التي يرتكبها الاحتلال أمام ناظر العالم لتدمير كل معنى للحياة الفلسطينية.
ومنذ إعادة قوات الاحتلال لانتشارها خارج قطاع غزة في عام 2005، أقامت تلك القوات من جانب واحد وبصورة غير قانونية "منطقة عازلة" (منطقة يحظر على الفلسطينيين دخولها، وتمتد على طول حدود قطاع غزة البرية والبحرية).
ولا تعرف على وجه الدقة المناطق التي تصنفها كـ "مناطق عازلة"، ولكنها تفرض سياستها هذه من خلال إطلاق النار (..) وتبلغ مساحتها 27 ألف دونم، وتشكل 35 في المائة من مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة، حيث أن 95 في المائة من المنطقة العازلة من الأراضي التي يُحظر الوصول إليها هي أراضٍ زراعية.
ويحيي الفلسطينيون اليوم الأربعاء الذكرى السنوية الـ 40 لـ "يوم الأرض"، التي استشهد فيها ستة فلسطينيين وأصيب 11 بجروح في هبة شعبية لفلسطيني الداخل المحتل عام 48 (..) صادرت خلالها سلطات الاحتلال أراضٍ في منطقة الجليل، بهدف تهويدها (..) ما دفع الفلسطينيين في الداخل للتحرك والتحضير لإضراب شامل.
وفي يوم 30 آذار (مارس) من عام 1976، فرضت شرطة الاحتلال منع التجوال على قرى المثلث والجليل، وسط استفزازات وتهديد للفلسطينيين ما دفعهم للخروج من منازلهم والاشتباك بالحجارة مع الاحتلال.
ومنذ ذلك اليوم؛ اعتبرت الذكرى "محطة هامة وبارزة" في تاريخ النضال الفلسطيني، وتحول إلى مناسبة يؤكد فيها الفلسطينيون تمسكهم بالأرض وتصديهم لسياسة الاستيطان الصهيوني.