“إذا” ظرف لما يستقبل من الزمان، ولا علاقة لها بالعمل والفعل في الزمن الراهن، وللتحرك الفعلي بعد إذا شروط، أهمها قيام الطرف الآخر بالفعل، ليكون هنالك ردة فعل.
في آخر تهديد له لأنفاق غزة استخدم رئيس الوزراء "الإسرائيلي" نتانياهو لفظة “إذا” وقال ردًا على أولئك السياسيين الذين طالبوه بتصفية الأنفاق والخروج إلى الحرب ضد غزة، قال حرفيًا: إذا تمت مهاجمتنا عبر الأنفاق في قطاع غزة فسنعمل بقوة ضخمة جدًا ضد حماس، تفوق القوة التي عملنا فيها في الجرف الصامد”.
فهل أفرغ نتانياهو تهديده لغزة من فحواه عندما استخدم لفظة “إذا” وربط بين ردة الفعل والفعل؟ وهل معنى ذلك أن نتانياهو وحكومته قد تعلمت الدرس من الحرب الأخيرة على غزة، وتوصلت إلى نتيجة مفادها استحالة تغيير الواقع مع المقاومة في غزة؟
ربما يكون ذلك صحيحًا، ولكن حين يتزامن تهديد نتانياهو الأجوف مع تقدير المخابرات "الإسرائيلية" الذي أفاد بعدم وجود أي اختراق للحدود في المرحلة الراهنة، وذلك ردًا على حالات الرعب التي يعاني منها المستوطنون في غلاف غزة، ورغم التسجيلات الصوتية لعمليات الحفر تحت بيوتهم كما يزعمون، فمعنى ذلك أننا أمام تصريحات وتقديرات تبعث على الريبة والشك.
فهل حقًا لا يوجد اختراقات للحدود، أم أن المخابرات "الإسرائيلية "أخفت الحقيقة، وأرادت طمأنة المستوطنين، وعدم إثارة مزيد من الرعب في نفوسهم؟
ربما يكون ذلك صحيحًا، ولكن حين تزامنت تهديدات نتانياهو فارغة المضمون مع حديث وزير الحرب موشي يعلون الذي أكد أن “إسرائيل” تتصرف باتزان ومسؤولية وحذر في موضوع الأنفاق، على الرغم من مطالبة الأحزاب الصهيونية والأكثر صهيونية من المستوى السياسي بمهاجمة الأنفاق في غزة، بعد أن أمست كما قال زعيم المعارضة “هرتصوغ” تشكل قلقًا ورعبًا لحياة المستوطنين، ومطالبته من الجيش بتفجير الأنفاق والقضاء على هذا التهديد، خاصة إذا كانت هناك أنفاق قد وصلت إلى داخل “إسرائيل”.
فهل حقًا صارت أحزاب المعارضة واليسار أكثر عدوانية وحبًا للحرب من أحزاب اليمين التي تشكلت منها الحكومة "الإسرائيلية "الراهنة؟ وهل أضحى الوزير مائير لبيد زعيم حزب “يش عتيد” مهتمًا بأمن “إسرائيل” أكثر من رئيس وزراء الحكومة الراهنة التي تتباهى بالأمن، ليدعوها لبيد إلى ضرورة فحص الحدود وعدم تجاهل شكوى المستوطنين؟
إن حديث "الإسرائيليين" بكافة مستوياتهم السياسية والأمنية والشعبية عن الأنفاق بهذه الطريقة المخالفة للمألوف الأمني والسياسي في “إسرائيل” جعل بعض السياسيين يربط بين عدم الرد على حفر الأنفاق بالوضع غير المستقر في الضفة الغربية، والوضع الدولي الذي لا يساعد “إسرائيل” على شن هجوم عسكري واسع ضد المقاومة في قطاع غزة
فهل حقًا باتت “إسرائيل” تخشى المواجهة، وباتت الأنفاق لغزًا يعجز العسكرية "الإسرائيلية"، أم أن أمر الأنفاق بلغ من السهولة والبساطة بالنسبة للقيادة "الإسرائيلية" حدًا، جعل نتانياهو ووزير حربه يديران لها الظهر، ويذهبان لتفقد الحدود الشمالية، ويتركان غزة وشأنها؟
ربما يكون كل ما سبق صحيحًا، ولكن التاريخ يؤكد لنا أن الحرب خدعة، واليهود أهل المكر والخديعة على وجه الأرض، لذلك فإن هذا الهروب العلني من المواجهة مع قطاع غزة ليفرض على رجال المقاومة الحذر الشديد، فتكرار النفي الرسمي عن عدم مهاجمة غزة قد يكون خدعة، وضمن خطة "إسرائيلية" تهدف إلى مفاجأة المقاومة، ولنا بحرب 2008 تجربة مريرة حين شنت “إسرائيل” عشرات الغارات على عشرات الموقع، وأوقعت مئات الشهداء بضربة واحدة.
ملاحظة: شهداء الأنفاق حزن في قلوبنا بلا شك، ولكنهم ورعب في قلوبهم بكل تأكيد.