المكتب الإعلامي - غزة
هذا العام هو المتمم لعشرة أعوام على خطة الانفصال الصهيوني أحادية الجانب عن قطاع غزة، والذي جرى في أغسطس - سبتمبر 2005 في ذروة الانتفاضة الثانية، وتم بموجبها إخلاء قطاع غزة من التواجد الصهيوني، واعتبر ذلك بديلًا عن الانتظار حتى تجدد المفاوضات السياسية مع منظمة التحرير والانسحاب من قطاع غزة من خلال اتفاق معها.
كيف تبدو النتائج اليوم؟ وهل كانت بمستوى الآمال والتوقعات التي توخاها صانعو القرار في الكيان الصهيوني على المجالين الأمني والسياسي؟ دراسة إسرائيلية، صدرت مؤخرًا عن مركز دراسات الأمن القومي- جامعة تل أبيب،أعدها أحد الباحثين المرموقين في المركز، خلصت الى خطأ القرار.
والنتيجة كما تقول الدراسة: "قطاع غزة أخلي من التواجد الصهيوني ، ولكنه عمليًا ما يزال مرتبطًا بإسرائيل، ومازالت غزة صامدة، تمثل عبئًا أمنيًا وسياسيًا ثقيلًا على كاهل الاحتلال"، وهذا يشهد ببراعة المقاومة ونجاحها في قلب السحر على الساحر، وجعل غزة ساحة رئيسية في مواجهة المشروع الصهيوني. نتائج الانفصال - كما تقول الدراسة - تثير الشك حول الافتراض الشائع بأن الجيش الاسرائيلي عرف كيف يوفر "لإسرائيل" دفاعًا كافيًا من كل خط تقرر دولة الاحتلال الانسحاب منه، وتزيد الشكوك حول جدوى عملية أحادية الجانب مشابهة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) في حال طرح مستقبلًا على جدول الأعمال.
وقبل ان نستعرض تفاصيل الدراسة نشير إلى خطأ الافتراض الأساسي الذي وقع فيه الباحث وبنيت عليه الدراسة، حيث يفترض الباحث ان شارون كان في وضع يسمح له بالاختيار بين الانسحاب أو الانتظار، انتظار التوصل الى اتفاق مع السلطة، الباحث يتجاهل حقيقة الظروف التي أجبرت شارون وحكومته على الهروب من غزة بأي ثمن بعد ان أصبح عاجزًا عن توفير الحماية، ليس للمستوطنين الذين أصبحوا صيدًا ثمينًا لقوى المقاومة الفلسطينية فقط؛ بل لمقرات ومواقع الحكم العسكري وقوات الجيش، فلم يعد أمام شارون وجيشه الا الفرار بجلده. وحتى المآخذ التي سجلتها الدراسة على عدم مواصلة السيطرة على محور فيلادلفيا أو إعادة احتلاله لمنع تهريب السلاح والوسائل القتالية، فهذا الافتراض يبدو أيضًا متعذرًا، فالسلاح والعتاد جرى تهريبه وبكثافة حتى مع تواجد قوات الجيش وأذرع الأمن في غزة، وموضوع إعادة السيطرة على محور فيلادلفيا بُحث طويلًا في دوائر الجيش، ولو كان من الممكن التنفيذ العملاني للخطة لما تردد الجيش الإسرائيلي، الذي اكتفى بمحاولات تدمير الأنفاق ومنع التهريب عبر سلاح الطيران والضربات الجوية والتي ثبت فشلها. الفكرة ان الانسحاب كان بسبب العجز وانعدام الحيلة، ولم يكن كما أراد شارون والحكومة تسويقه على انه خيار الواثق والمناور، وكل المبررات والفرضيات التي وردت في سياق الخطة في الأغلب فقط لرد الاعتبار لهيبة الجيش وخداع المجتمع الاسرائيلي وحفظ وجه القائد الأسطوري "شارون".
وحتى إشارة الدراسة الى معارضة بعض المستويات العسكرية للخطة فهو أيضًا من قبيل الحديث الدعائي؛ إذ لم يكن بمقدورها تقديم أي بديل، والتعويل بأنه كان يجب التنسيق مع السلطة الفلسطينية فهو أيضًا محل نظر، إذ ان السلطة كانت مضعضعة وفي أضعف مراحلها، ولم يكن بمقدورها أن تقوم بأي وظيفة أمنية، وهذا ما كان يدركه قادة الأجهزة الأمنية. صحيح ان شارون ظنّ ان التعامل مع غزة وإمكانية اخضاعها من الخارج أكثر سهولة بعد ان فشل في كسر إرادتها من الداخل وحطمت قلب كيانه، وهي المعادلة التي نجحت المقاومة في نسفها.
المسألة الأخيرة التي تغفلها الدراسة ويغفلها "الاسرائيليون" ان تقوّي المقاومة الفلسطينية المناوئة للاحتلال ليس مرتبطًا بالانفصال أو عدمه؛ وإنما ببقاء الاحتلال ذاته، وما جرى في غزة سيجرى في الضفة وباقي فلسطين المحتلة بهذا الشكل أو ذاك، والمسألة مسألة وقت ليس أكثر، فكما أن شرارة الانتفاضة واندلاع المقاومة من غزة كانت مباغتة ومفاجئة حد الذهول لأجهزة الأمن وقوات الاحتلال في حينه ولم تكن تخطر أبدًا على بال أحد؛ فكذلك الحال في بقية الأرض الفلسطينية، ورغم كل الجهود الاستشعارية على مدار الساعة يظل من الصعب التنبؤ بالانفجارات والتحولات الكبيرة أو رصد مساراتها.
خطة الانفصال: السياق والتوقعات الإسرائيلية المتوخاة
في أعقاب فشل المفاوضات مع الجانب الفلسطينيين حول الحل النهائي واندلاع الانتفاضة الثانية؛ طرح رئيس الحكومة في حينه ايهود باراك الرأي القائل بالانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين من بعض مناطق الـ 67، والمبررات التي سيقت ان عرفات ليس شريكًا في الاتفاق ولن يكون في المستقبل؛ ولذلك فعلى إسرائيل ان تقوم بمبادرة.
ومع ذلك - كما تقول الدراسة - فقد كان من الممكن حينها تشخيص المخاطر الكامنة في تطبيق هذا الرأي، على سبيل المثال ان إسرائيل ستفقد إمكانية نزع سلاح المناطق، وأنها ستهاجم بالمدفعية والصواريخ المضادة للدبابات، وما شابه، في فبراير 2001 انتخب أريئيل شارون لرئاسة الحكومة بدلًا من باراك المستقيل، في فترة حكمه الأولى استبعد شارون هذا الرأي حتى انه قال: "إن حكم نتساريم هو حكم تل أبيب"، وفي أعقاب الانتخابات في يناير 2003 تعين شارون رئيسًا للحكومة لفترة ثانية، وخلال عام تحول عن موقفه وبلور خطة الانفصال.
في ديسمبر 2003 عرض الخطة في "مؤتمر هرتسيليا" على النحو التالي "هدف خطة الانفصال هو خفض منسوب الإرهاب بقدر الإمكان وتوفير الأمن التام لكافة مواطني إسرائيل، عملية الانفصال ستقود الى تحسن مستوى المعيشة في إسرائيل، وستساعد في تقوية اقتصادها"، "خطة الانفصال ستشمل انتشارًا جديدًا للجيش الاسرائيلي على خطوط أمنية جديدة وتغيرات في انتشار المستوطنات، وبذلك يقل بقدر كبير عدد الإسرائيليين المتواجدين في قلب التجمعات السكانية الفلسطينية"، "في المقابل، وفي إطار خطة الانفصال، ستعزز إسرائيل سيطرتها على نفس أرض إسرائيل التي ستعتبر جزءًا لا يتجزأ من دولة اسرائيل في أي اتفاق مستقبلي".
في ابريل 2004 أشار شارون الى المستوطنات، القدس الموحدة، وجفعات زئيف ومعاليه أدوميم وغوش عتصيون والمستوطنة اليهودية في الخليل وكريات أربع وأريئيل، في مقابل الانفصال طلب شارون من الرئيس بوش الثاني اعترافًا أمريكيًا بتجمعات الاستيطان في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) والتزامًا أمريكيًا بعدم الاعتراف بحق العودة الفلسطيني لإسرائيل في الحل النهائي، الرسالة التي بعث بها الرئيس بوش أيدت موقف شارون بشأن حق العودة واعتراف بواقع الاستيطان في يهودا والسامرة، بحيث لا تكون الحدود في الحل النهائي هي خط 1949.
في يونيو 2004 صودق على خطة الانفصال في الحكومة، وجاء في نص القرار ان "دولة إسرائيل توصلت الى استنتاج بأنه لا وجود اليوم لشريك فلسطيني يمكن التقدم معه في العملية السلمية ثنائية الجانب" (نهاية حقبة عرفات)، هدف الخطة "خلق واقع أمني وسياسي واقتصادي وديموغرافي أفضل" من خلال عملية أحادية الجانب، وأشير في القرار الى "ان قطاع غزة سيكون منزوع السلاح الذي لا يتناسب وجوده والاتفاقات القائمة بين الطرفين" وأن "إتمام الخطة يبطل المزاعم بحق إسرائيل بشأن مسؤوليتها عن الفلسطينيين في قطاع غزة"، وفي أكتوبر 2004 أقرت الخطة في الكنيست أيضًا.
عملية الانفصال شرعت في الـ 15 من أغسطس 2005 وانتهت في 11 سبتمبر 2005، أخلي في قطاع غزة 21 مستوطنة يهودية: "نفيه دكاليم" و"نتسر حزاني" و"فات سديه" و"قطيف" و"رفيح يام" و"شيروت هيم" و"شيلو" و"تل قطيفة" و"بدولح" و"غديد" و"غان أور" و"غنيتال" و"كفار يام" و"بني عتسمون" و"كرم عتسمونا" و"موراج" و"كفار داروم" و"نتساريم" و"ايلي سيناي" و"دوغيت" و"نيسانيت"، وفي السامرة أخليت: "غنيم" و"كاديم" و"حومش" و"سانور"، وبالمجمل فقد تم إخلاء ما يقارب 9 آلاف شخص.
في خطابه الذي ألقاه شارون في المركز الاسرائيلي للإدارة (سبتمبر 2005) فصل الانجازات والتوقعات من الانفصال الذي نفذ لتوه، ومما قال: "عنوان مؤتمركم هو (القرارات تستطيع ان تغير مجرى التاريخ)، وكشخص حظي بمشاهدة اتخاذ القرارات في عديد من الأحداث المهمة في تاريخنا القصير، أود ان أقول لكم ان هذا صحيح، تنفيذ خطة الانفصال، بالإضافة الى كفاحنا العنيد ضد الإرهاب، أثمر في جميع المجالات؛ لقد تحسنت مكانة إسرائيل السياسية الى حد بعيد منذ تنفيذ الخطة، لقد أدينا الى انخفاض حقيقي في مستوى الإرهاب، وعززنا الأمن الشخصي لمواطني إسرائيل، الأسواق الدولية ترى في خطة الانفصال خطوة أدت الى الاستقرار الأمني والاقتصادي، مما وفر حركة سيولة مالية للاقتصاد الاسرائيلي وإلى ارتفاع حاد في الاستثمارات الأجنبية"، "منسق الانفصال" في مكتب رئيس الحكومة العميد متقاعد عيبال جلعادي تطرق الى أهمية الانفصال في دفع المفاوضات السياسية.
وعلى ضوء التوقعات الكبيرة في العالم وفي دوائر إسرائيلية لمواصلة الانسحاب من يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، أوضح مكتب شارون ان "موقف رئيس الحكومة كان وما يزال بعد إتمام الانفصال ستعمل إسرائيل على دفع العملية السياسية ولكن فقط وفق خطة خارطة الطريق، وأي تغيير جغرافي آخر سيناقش ويقرر فقط في إطار مفاوضات الحل النهائي"، غادر شارون منصبه في ظروف مأساوية، ايهود أولمرت القائم مقامه، والذي كان شريكًا في الانفصال، عرض في مارس 2006 خطة "التقارب" أحادية الجانب في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، والمقصود خطة معقدة وأكثر مخاطرة من سابقتها، أثناء حرب لبنان الثانية في العام 2006 صرح أولمرت ان الحرب ستشكل رافعة للخطة، غير انه أعلن فيما بعد عن تعليقها، عاد أولمرت الى المفاوضات مع عباس حيث لم ينجح، ومنذ ذلك الحين رفع خيار الأحادية عن جدول أعمال الحكومة؛ إلا انه ما زالت قائمة في المناقشات الجماهيرية.
المصدر / مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية