تاريخ النشر : 2010-01-26
( لا تحسبوه شراً لكم )
لدي ظن يقرب من الجزم بأن من ساهم في الإثارة والتصعيد اللذين حصلا على ضوء فتوى معالي الشيخ سعد الشثري أنهم لو حسبوا حسابات دقيقة لرأوا أن ما حصل وما ترتب عليه هم الطرف الخاسر في المعادلة . .
ولتوضيح ذلك فلنستعرض ما ترتب على (تلك الحملة) :
* فئة عريضة من المجتمع- خاصة من الشباب- تجددت ثقتهم بعلمائهم وأحسوا بالحاجة إلى الالتفاف حولهم، وسقطت – أو ضعفت دعاوى المتهمين لهم بتهم شتى.
وهذا مكسب غاية في النفاسة. فأزمتنا ليست في أن يتكلم عالم بالحق، فيترتب على ذلك ما يترتب من تبعات الصدع بالحق .
إنما المشكلة التي يستتبعها كم من المشكلات هي السكوت عن الحق . مما يتيح المجال لإساءة الظنون بهم، ويضعف القناعة بهم، ويزهد في الرجوع إلى أقوالهم والصدور عن توجيهاتهم، ويتيح الفرصة لمن ليسوا أهلاً لذلك أن يتصدروا أو يُصَدَّروا .
* هذه (الحملة الصحفية) أعطت الحديث عن (الاختلاط) زخماً، وجعلته قضية، ومجال حديث ونقاش في المجالس الخاصة والعامة.
وفي ظني لو أن جهة (دعوية) رسمية أو تطوعية أرادت أن تنظم حملة للتوعية في شأن الاختلاط . .
ما حازت مثل هذا التفاعل والتجاوب من عموم أفراد المجتمع .
بل إن الحديث عنه (الاختلاط) تجاوز حدود الإقليمية والمحلية .
* كان المتوقع أن يمر افتتاح الجامعة وبدء الدراسة فيها ببداية فيها هدوء، لا تخلو ممن يتحدث منتقداً لها، داعياً إلى تصحيح وضعها . ولكن يبقى نطاق هذه الدعوات والصيحات محدوداً . وكان يمكن أن تمر فتوى الشيخ مروراً عابراً .
لكن لما استهدفت وجعلت محوراً للحملة ومنطلقاً لها .. أضفى ذلك على الموضوع بعداً آخر، كان أحد تداعياته أن جعل الجامعة لدى قطاع عريض من المجتمع محل شبهة ، أو على الأقل محل نظر .
* (الإخراج) الذي أخرج به هذا الحدث كالتالي : ـ
1. حدث يغتنم .
2. يتم التواطؤ على صفة طرقة .
3. يستكتب من المقالات المؤلِّبة المحرّضة ما هو كفيل بإثارة حفيظة ولي الأمر .
4. تعرض على ولي الأمر وقد جهز مع التهمة الاقتراح .
وبعبارة أخرى هذه الحملة ( وأمثالها) لم تحصل بعفوية . وإنما هي ثمرة "تنظيم" وحزبية" .
* يقابل ما تقدم كله : ما (الخسائر) التي حصلت ؟
لقد ترتب على تلك (الحملة) إقالة عضو من أعضاء هيئة كبار العلماء من منصبه .
وحتى نضع هذا الموضوع موضعه لابد أن نراعي أن علماءنا يستمدون قيمتهم وتأثيرهم من العلم الذي يحملونه، لا من خلال المنصب والوظيفة التي قد يعينون فيها . فمن ثم يبقى ارتباطه بوظيفته ذا أثر محدود في تأثيره في المجتمع وتفاعله مع قضاياه وقيامه بدوره.
ومن ثم كان كثير من علمائنا لا يعرف من خلال منصبه أو وظيفته، فمثلاً سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أو الشيخ محمد العثيمين رحمه الله لو سألت عدداً كثيراً من الناس داخل المملكة أو خارجها ما عملها الرسمي ما أجابوا الجواب الدقيق.
بل ربما كان لتخفف العالم من الوظيفة (الرسمية) أثر إيجابي في مزيد عطائه وتفرغه للناس. وشواهد هذا عديدة.
* وبعد : فلنخلص إلى الزبدة . . ما واجب كل منا؟ وما الذي يوصى به ؟
والجواب: أن الواجب حيال هذه القضية وأمثالها ما جاءت به الشريعة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعاون على البر والتقوى ونصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، ونحو ذلك مما هو معلوم ولله الحمد .
ووسائل ذلك كثيرة جداً ولله الحمد. والغالب أنه لا تعوزنا الوسائل فهي – غالباً. معروفة ومتاحة (كالزيارات والمخاطبات والمقالات والخطب وغيرها كثير).
لكن الذي يحسن التنبيه عليه: الاعتناء بالأسباب الشرعية، ومنها: حسن الظن بالله، ففي الحديث القدسي: ( أنا عند ظن عبدي بي) ، ومنها الصبر، وفي الحديث: ( واعلم أن النصر مع الصبر)، ومنها الدعاء، وما أعظمه من سبب وما أمضاه من سلاح، ولو اجتهد الناس في الدعاء وتواصوا به لرأوا أثراً عظيماً.
والعبد إذا اجتهد في فعل ما أمره الله به، ولزم في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فليفرح حينئذ(فهذا من الفرح المحمود)، وليرض وليطمئن، لأنه قد قام بما كلفه الله به، وليسلّم الأمر لله، وليثق بحسن تدبيره وقضائه وحكمه: ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون). وليوقن بأن العاقبة للمتقين. فنحن إن حصل علينا النقص . . فبسبب أنفسنا. ليس الخوف علينا من أحد البشر، مهما كثر عددهم، أو علت مناصبهم، ومهما بلغت مكايدهم، فالعاقبة للمتقين : قال تعالى : (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) .
هذا وبالله التوفيق.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وعلى آله وصحبه . والحمد لله رب العالمين.