تاريخ النشر : 2013-03-25
ولا تفرقوا !!
لا توجد أمة من الأمم دعيت إلى الوحدة والائتلاف، ونهيت عن الفرقة والاختلاف مثل الأمة الإسلامية؛ لأن النظام الاجتماعي لا يكمل إلا في ظل الوفاق والوئام، وحال الناس لا تصلح إلا مع التعاطف والتآلف، ويدرك العقلاء أن القوة لا تكون إلا مع الوحدة، وأن الذلة تكمن في الفرقة، كما قال الشاعر:
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرًا *** وإذا افترقن تكـسرت آحادًا
والعرب تقول: "المرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه".
ولذا جاء النداء القرآني المصدر بالوصف الإيماني داعيًا إلى الوحدة وناهيًا عن الفرقة، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 102، 103].
والمتأمل يرى غاية الإحكام في هذه الأوامر الإلهية، بل المنح الربانية؛ حيث بدأت بلزوم التقوى حتى الممات، ثم جاء الأمر بالاعتصام بحبل الله إشارة إلى أن طريق تحقيق التقوى واستمرارها لا يكون إلا بالاعتصام، ثم نهى عن الفرقة التي تقطع الطريق وتشوه جمال التقوى، وبعد ذلك بيَّن الله تعالى أن التقوى والاعتصام والبعد عن الفرقة يحتاج إلى أمر مهم يكملها ويحفظها، فجاء ذكر الأخوة الإيمانية التي تربط بين القلوب، وتجمع بين الجهود، وتوحِّد بين الصفوف، وتسمو فوق الرغبات الشخصية والأنانية الفردية، كما تتجاوز الخلافات الهامشية والقضايا الجانبية؛ لأن أصلها المكين، وأساسها المتين هو العقيدة الواحدة (التوحيد)، والقدوة الواحدة (الرسول)، والمنهج الواحد (الإسلام)، وكلها عواصم من القواصم.
وتشريعات الإسلام دعوة عملية دائمة للوحدة؛ فالأمة المسلمة تصوم شهرها في وقت واحد، وتؤدي نسكها في زمان ومكان واحد بهيئة واحدة، وفي كل يوم يستجيب المسلمون لنداء واحد في صف واحد خلف إمام واحد، في صفوف قد تراصت فلا خلل بينها ولا عوج فيها. وفوق هذا، فإن للمسلم على المسلم حقوقًا تقوي أواصر المحبة، وتوطد عُرا الوحدة، وهناك آداب إسلامية بين أبناء المجتمع تشيع المودة؛ من تبسُّمٍ في الوجه وحض على الزيارة، وطلب لحسن الظن، ودعوة لالتماس العذر، وتشجيع على التسامح والعفو، كما أن هناك معالم إنسانية تذيب الفوارق العرقية، وتقضي على النعرات العصبية، ولا ننسى المناهي التي جاءت لئلاَّ يخدش صفاء المحبة، ولئلاَّ يقوض بنيان الوحدة، حيث جاء النهي عن سوء الظن والغيبة والنميمة والتجسس والتباغض والتدابر، إلى غير ذلك من الأمور التي تبين أن الإسلام دين الوحدة الذي يحارب في مجتمعاته الفرقة.
هذا هو دين المسلمين، فما بالهم إذن متفرقين؟!
لقد فطن الأعداء إلى أهمية الوحدة وتأثيرها، فعملوا على تمزيق الوحدة بين المسلمين، وإشاعة الفرقة في صفوفهم، فحوّلوا دولتهم الواحدة إلى دويلات، وسلطوا على عقيدتهم الراسخة البدع والخرافات، ونشروا في مجتمعاتهم أسباب الفساد والانحراف، وبدلوا شريعتهم الواحدة بقوانين مختلفة، وتشريعات وضعية متباينة، ثم أدخلوا آراء واجتهادات ما أنزل الله بها من سلطان، إلى غير ذلك من الأسباب التي ساهم فيها البعض ممن باع دينه وأمته وكان عونًا للأعداء، فكانت النتيجة هذا التباعد المخيف، والفرقة المحزنة على مستوى الدول والمجتمعات والجماعات، بل والأسر والعائلات.
ولذا لا بد أن تكرس جهود القادة الصادقين والعلماء العاملين والدعاة المخلصين للتأكيد على أهمية الوحدة، وضرورة إحيائها وإذكاء روحها، مع الحرص على البحث عن أسباب الفرقة، وبيان مخاطرها وأضرارها. ولا بد أن تتضافر الجهود في منهج متكامل لهذه الغاية وذلك عبر المناهج التعليمية، والوسائل الإعلامية، والخطب المنبرية، والدروس العلمية، والكتب الثقافية وغيرها؛ فالأمر يستحق كل ذلك وأكثر.
د. علي بن عمر بادحدح
المصدر: موقع إسلاميات.