تاريخ النشر : 2012-05-20
أبطال العزل الإنفرادي يشاركون رفقاءهم في نسج السعادة والحياة
صحيح أنها جدران تكتم أوجاع وتخبيء حكايات من المعاناة والظروف الأليمة, لكن من يمكث خلفها خلية نحل يحليها النظام وتزينها الإخوة وذلك الحب الكبير, تجد في كل غرفة مجموع أجساد تجمعها روح واحدة, فهم من نسجوا من الآلام حياة جميلة.
أما هؤلاء..أبطال العزل تلك الأجساد التي أرهقها سواد العزل ورمته ظلمته ومرارته, وذاقت أشد ويلات العذاب وانعدمت بحقه الرحمة, فكان حالهم لا حول له ولا قوة, لكن اليوم وبعد انتصار معركتهم الشريفة تخلصوا من هذا, فانقلبت حياتهم بعد معاناة السنين لينعموا ولأول مرة بطعم الجماعة, وليشاركوا زملاءهم في نسج الحياة الجميلة التي عرفناها عنهم.
مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان يسلط الضوء على أبطال العزل وحكاياتهم الأشبه بالفيلم في التقرير التالي:
البرغوثي لأول مره خارج العزل
عبد الله البرغوثي من أكثر المعتقلين شهرة وصاحب شخصية قيادية مميزة, ويحسب له ألف حساب اليوم وبعد معركة أمعاء خاوية وإضراب مستمر تجاوز (32 يوماً), سيخرج عبد الله من العزل الانفرادي إلى فضاء السجن وسيتواصل مع عائلته وأهله, وسيجلس بين جدران غرفته ينتظر موعد الفرج وساعة الإفراج التي لا يعلمها إلا الله .
زوجته أم أسامة قالت لمركز أحرار:" فرحتي بخروج زوجي من العزل كبيرة لا يعلم بها إلا الله, فكم كنت قلقة على زوجي خاصة أثناء إضرابه ، وأولادي فرحتهم كبيرة أيضاً أنهم سيرون والدهم وسيسمح لهم بزيارته".
لأول مره سيقف في صف ليصلي جماعة مع رفاق قيده لأول مرة سيعانق إنسان ويبتسم لإنسان لأول مرة سيتحدث عن مشاعره أحلامه أفكاره.
لأول مرة سيصافح أسير
لم يختلف حال الأسير إبراهيم حامد الاسم الأكثر شهرة, والأسير المحروم من الالتقاء بزملاء الأسر فهو من يحاط دائماً بالجنود والعساكر, يعيش في زنزانة انفرادية من اليوم الأول لاعتقاله, لكنه اليوم وبعد انتصار الإرادة سيلتقي بزملاء الأسر بل وسيعيش معهم, فهو سعيد جداً بالأيام الآتية التي تغمرها الإخوة والاستئناس والتصافح.
إبراهيم حامد الذي خضع لتحقيق قاسٍ ولأشهرٍ طويلة, هو صاحب الملف الأكبر ولم يحكم حتى الآن ويتوقع أن يكون صاحب أكبر حكم في تاريخ الاحتلال, خرج من قبره الذي أراد المحتل له أن يبقى فيه ما بقي على قيد الحياة, فاليوم يخرج بعد إضرابه عن الطعام هو ورفاقه في العزل والأسر .
زوجة إبراهيم حامد والتي كانت تقود الاعتصامات والمسيرات وتتحدث إلى الإعلام وتنقل للعالم معاناة زوجها ورفاق قيد وهي التي جربت الأسر والعزل اليوم تقول لأحرار فرحتي كبيرة أنا وأولادي وكل الشعب الجميع يتصل بنا ويهنأ بهذا النصر والانتصار والخروج من العزل الانفرادي .
هذه المرة الأولى التي يصافح فيها إبراهيم حامد من لحمه ودمه إنسان فلسطيني لأول مره من عام 2006 يده ستلامس يد فلسطيني وسيصلي صلاة جماعة.
عباس السيد يهزم السجان
عباس السيد والذي لم يعش حياة الاستقرار لا خارج السجن ولا داخل السجن, فكل شهر هناك يواجه تنكيل واعتداء عليه, و في ذكرى عمليته من هذا العام 2012 تعرض لضرب مبرح وهو زنزانة انفرادية وقبل ذلك بعام خاض إضرابا عن الطعام لمدة (23 يوما) احتجاجا على ظروف اعتقاله سيخرج من عزله الانفرادي وبعد معركة انتصر فيها الكف على المخرز.
الاحتفال بخروج عباس كان ليس كالعادة فجموع كبيرة وغفيرة من الناس أمّت منزل عباس واحتفلت أمام منزله يوم الإعلان عن خضوع مصلحة السجون لمطالب الأسرى ووزعت الحلويات أمام منزله وهتف الجميع باسمه .
أم عبد الله التي لم تفارق خيام الاعتصام والتي لم يكل متنها من رفع صورة زوجها عباس, ولم يبح صوتها من الهتاف لحريته وخروجه من عزله, تقول لمركز لأحرار:" لن يضيع حق وخلفه مطالب وننتظر خروجه من السجن بعد خروجه من العزل" .
جمال أبو الهيجاء عزل مستمر
منذ ثماني سنوات متواصلة يعيش الشيخ جمال أحد قادة ملحمة مخيم جنين في زنزانة انفرادية ممنوع ومحروم من رؤية أولاده باستثناء طفلته ساجدة التي منعت هذا العام من رؤية والدها لبلوغها سن الـ(16) الأمر الذي يمنع زيارتها.
أبو عبد السلام كان وولديه الاثنين مضربين عن الطعام وكان على يقين أنه سينتصر فهو الذي لم يهزم يوما أمام سجانيه والفرحة الكبيرة تغمر قلوب أبنائه وزوجته وبناته حيث قلقهم على الوالد الخمسيني كبير وفرحتهم الآن بخروجه من العزل كبيرة .
أم عبد السلام وهي أسيرة محررة أيضا كانت قد تعرضت للاعتقال, تقول:" إن انتصار زوجي ورفاقه أعاد لي الروح وننتظر الآن خروجهم من السجن".
أحمد المغربي قصة صمود
يحمل الأسير أحمد المغربي حكاية ثمانية أعوام من العزل الانفرادي حرم بها من كل شيء, فلم يكن يرى ولده الوحيد محمود, ولا زوجته التي أبت أن تشارك في المسيرة الجهادية فلا اعتصام أو فعالية تخص الأسرى إلا وتشارك بها, مؤمنة بأن موعد الحرية آت ولا محال, وهي الأم التي تروي لولدها حكايات والده مع الجهاد والأسر وعلمته حب الصبر واللسان الكثير الدعاء والذكر.
منذ ستة أعوام لم يتمكن المغربي أن يلتقي بشقيقه الأسير والمحكوم بالمؤبد, لكنه اليوم وبعد معركة الأمعاء الخاوية التي ستضيء صفحات التاريخ مستقبلاً, سيخرج من العزل وسيعانق شقيقه بعد كل هذا الحرمان وسيرى ولده الصغير الذي بات يكبر بسرعة كبيرة, فهو طفله محمود المكنى على لقب شقيقه الشهيد .
أحمد سعدات الأمين الأمين
أمين عام تنظيم كبير ونائب في المجلس التشريعي صاحب مواقف مشهود لها, فهو من أبى أن يشارك زملاء الأسر بالإضراب رغم كبر سنه, وكان منبع للصبر والصمود بتصريحاته التي كان يصدرها للأسرى و يحثهم على الصبر والصمود ولوسائل الإعلام بضرورة الوقوف مع الأسرى وللسلطة والفصائل بوجوب دعم حقوق الأسر.
ومن أجمل مواقفه البطولية التي تدل على الروح الواحدة في سجون الاحتلال, حينما قدم له عرضاً بخروجه لوحده من العزل الانفرادي مقابل أن يفك رفاقه القيد, فأخبرهم أن فلسطين أكبر من جميع التنظيمات والفصائل وأن معركتهم ليست شخصية أو حزبية, بل هي معركة حقوق أسرى ينتمون لوطنهم.
أما زوجته وأبنائه فلم يغيبوا هم أيضاً عن ساحة الإرادة فما من مسيرات أو اعتصامات أو حملات مساندة أو مؤتمرات داعمة إلا وقد شاركوا بها, فكانوا صوتاً لكل معزول يطالب بفك القيد.
عاهد غلمه المفاوض العنيد
أحد قيادات هذا الإضراب وعضو اللجنة المركزية لقيادة الإضراب المفاوض, الذي لم يساوم لحظة واحدة على حقوق الأسرى, والذي أقسم أن لا يفك إضراب قبل أن تستجيب (إسرائيل) لجميع مطالبه.
زوجته وفاء, فهي من كانت تعمل ليل نهار من أجل قضية الأسرى والمعتقلين, وكانت خيم الاعتصام شاهداً لها حينما كانت ترفع صورة زوجها الأسير, و كانت ميقنة أن الأسرى سينتصرون في هذه المعركة .
تتحدث لمركز أحرار عن زوجها :"منذ بداية عزله إلى الآن لم نتمكن من زيارته، والزيارة الأخيرة كانت لي في شهر أيلول 2009، بينما كانت آخر زيارة والدته وأطفالي قيس (12 عاما) وريتا (9 سنوات) منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي، ومنذ ذلك التاريخ ونحن محرومون من التواصل معه إلا عبر المحامي الذي يزوره من فترة لأخرى".
محمود عيسى العميد الذي خرج من عزله
عميد الأسرى المعزولين صاحب العقلية الفذة, ذلك الرجل التي تخشاه كل أجهزة المخابرات وتعتبر جلوسه مع الأسرى يسبب خطر على أمن الاحتلال, محمود عيسى صاحب رواية صابر التي سترى النور قريباً, خرج من العزل فرحاً بحياته الجديدة التي ستكون برفقة زملاء الأسر رغم أن سقف السجن تغطي نور الحرية عنهم. لكنهم ينسجون النور بطريقتهم الخاصة.
والدته التي كانت تتحدث عنه تشعر بالسعادة لخروجه من العزل, لكنها لا تزال تحلم بعناقه قبل أن يواريها الثرى, تتمنى أن تعانقه ولو من وراء جدار, المهم أن تراه وتسمع صوته وتقول له :"الله يرضى عليك يا أمي".
ولم يكن الحال مختلفاً عن باقي أسرته فشقيقته لم تكن تصدق الخبر الذي وصلها بأن شقيقها سيخرج من العزل من شدة الفرحة .
حسن سلامه الوجع والخجل
وجع وغصه وألم ينتاب كل من يرى صورة حسن يوم محاكمته وصورته, وأوجاع تتعب القلوب حينما تقرأ رسائله التي تهرب من عزله الذي يمكث به منذ عشرة أعوام, ليقرؤها أبناء شعبه, اليوم كسا الشيب رأسه وبعد هذه الرحلة المؤلمة خرج حسن من السجن ليعانق زملاء الأسر وليرى الناس وليذق طعم الجماعة بعد حرمان السنين.
حسن الذي رفض المحتل إخراجه في صفقة "وفاء الأحرار", وأصرّ على عزله, خرج اليوم من عزله مرفوع الرأس, وتجددت الفرحة في قلب والدته التي ملأت الدنيا زغاريد, وهي التي سبق أن قالت:" لن يترك رفاق حسن بالعزل" .
ضرار أبو سيسي من أوكرانيا إلى العزل
المهندس الغزاوي الذي اختطف من قلب أوكرانيا وتخطوا به البحار والبلاد, ليضعوه بالعزل فانقلبت حياته إلى ذلك الصندوق المظلم, لم يرَ به بشر بعد كانت الدنيا مفتوحة أمامه وله, وقد تعرض لتعذيب شديد على يد المحققين الإسرائيليين .
ترك زوجته الأوكرانية وأبناءه الذين لم يروه من يوم اعتقاله, لكن ليست بإرادته, لتفرض عليه ظروف صحية صعبة تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر, لكن صبره وإيمانه بعدالة قضيته هو الزاد الذي يتزود به ضرار ، اليوم ضرار بجهوده وجهود إخوانه سيخرج من العزل الانفرادي وسيتمكن من رؤية أولاده ولو داخل سجنه فرؤية الأولاد تعيد الروح إلى جسد الإنسان الأسير.
وليد خالد وداعا للعزل
الصحفي وليد خالد ذلك القلم المتميز صاحب الشخصية المحبوبة وسط الأسر, أسير الاعتقال الإداري الذي ما أن يخرج من السجن إلا ويعود إليه, وذلك القلم الذي ظل بصمة له في غيابه, وأرهقته جدران العزل المملة, خرج اليوم من العزل, ليعود إلى منبع الإخوة والمحبة بين زملاء الأسر.
فؤاد الخفش مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان قال :"ملحمة بطولية بكل ما تحمل الكلمة من معنى تلك التي خاضها الأسرى في سجون الاحتلال لإنهاء سياسة العزل الانفرادي وتكاتف وتضحية وفداء أبداه الأسرى المعزولين وغير المعزولين أدى إلى إنهاء مأساة هؤلاء المعزولين" .
وأضاف الخفش أن دور كبير كان لعائلات وزوجات هؤلاء المعزولين تمثل في خروجهن للشوارع ورفع صور أزواجهن والحديث لوسائل الإعلام عن معاناتهن والمطالبة الدائمة لإخراج أزواجهن وذويهن من العزل الانفرادي .
هؤلاء هم كثر, وحكاياتهم أكثر من ذلك بكثير, أبطال عاشوا حياة وكأنها أفلام رعب, لكن الفرق بين الخيال والواقع أصعب بكثير, فانتصر الأسرى وانتصرت الإرادة وعمّت الفرحة وعاد رفقاء الأسر تحت سقف السجن.